رسالة إلى الخليفة العادل عمر بن عبد العزيز


مولاي أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز حفظه الله تعالى في الدارين

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد

اسمح لي في البداية يا سيدي أن التمس منكم العفو والصفح على أوصاف التعظيم والفخامة التي أخاطب بها جلالتكم، فأنا أعرف كم تنفرون من ألقاب الفرعونية والكسروية والقيصرية، وكم غضبتم من صاحب الشرطة الذي قام بدور حرس الشرف حين جاء يسير بين يديكم بالحربة حين توليتم أمر هذه الأمة، فصرختم في وجهه: تنح عني فإنما أنا رجل من المسلمين.

خذ الناس بالبينة وما جرت عليه السنة، فإن لم يصلحهم الحق والعدل فلا أصلحهم الله

اعذرني يا سيدي فأنا مضطر لذلك حتى أحفظ ما تبقى لدي من عقل، فأنا في هذا الزمن الكئيب أخاطب أصغر موظف في أصغر دائرة رسمية بألفاظ الفخامة والعظمة لعله يحنو على أوراق معاملتي ويمهرها بتوقيعه الكريم. وحيث أن الأمر كذلك؛ لم يقبل مني عقلي أن أخاطب أمير المؤمنين من الصين شرقا إلى الأندلس غربا بأقل من ذلك ؟؟!!

مولاي، لقد قرأت خطبتكم في الناس حين توليتم الخلافة بعهد من الخليفة سليمان من قبلكم، وقد فركت عينيّ عدة مرات لأتأكد أن ما قلمتوه هو المكتوب أمامي حقاً: أيها الناس إني قد ابتليت بهذا الأمر عن غير رأي كان منى فيه ولا طلبة له، ولا مشورة من المسلمين، وإني قد خلعت ما في أعناقكم من بيعتي، فاختاروا لأنفسكم ولأمركم من تريدون.

أتخلع نفسك أيها الخليفة العادل؟! لأنك توليت بغير مشورة من المسلمين؟؟!! أحقاً هناك خليفة يحفظ قوله تعالى ” وأمرهم شورى بينهم” ظننتهم لا يحفظون من كتاب الله إلا قوله تعالى ” ونحن أحق بالملك منه” لعلها من بقية ما أوصى به جدك الفاروق لابن عباس بعد أن طعن: اعقل عني ثلاثاً : الإمارة شورى …..، أو لعلها من خطبته التي اشتد فيها على من أراد أن يغصب المسلمين حقهم في اختيار خليفتهم فصرخ غاضبا ” من تولى بغير مشورة من المسلمين فاضربوا عنقه”.

عذرا سيدي، ففلسفتكم في الحكم ونظرياته القائمة على استشارة الناس وقتل من تولى بغير مشورتهم قد بليت وعفا عليها الزمن، وقد تطورنا والحمد لله فنحن الآن في القرن الحادي والعشرين لنا نظريات فاقت حدود الحقيقة بل وحتى الخيال؛ فمن تولى بغير مشورة من المسلمين اليوم فهو الإمام العدل الحق الذي أمر الله تعالى له بالسمع والطاعة، وحرم الخروج عليه ومفارقته، أما من تولى بمشورة من المسلمين فهو وصولي استغلالي يتاجر بالدين، ويتخذ المشورة سلما يصعد به إلى الحكم، ثم يأخذ السلم معه إلى فوق.

ويتلاعب بعقول أتباعه المغيبين، فيجب الاستعانة عليه بالجيش والشرطة والقضاء والإعلام والرز الخليجي والدعم الأمريكي والخبرة الإسرائيلية لإسقاطه عن كرسيه وإعادة الأمر إلى أهله الذين يقدّرون الرئاسة حق قدرها، ويعرفون كيف تسحق الشعوب.

مولاي، خلال مدة خلافتكم القصيرة -التي لم تتجاوز سنتين وخمسة أشهر- عرفت أن مدينة الموصل التي يؤسفني أن أخبركم أنها اليوم تهدّم على رؤوس ساكنيها وتدمّر، كانت أكثر البلاد سرقةً ونقباً، حتى أن واليها يحيى الغساني قد بعث يستشيركم في أن يأخذ الناس على الظنة، ويضربهم على التهمة حتى تستقيم أمور المدينة.

فبعثت إليه أن يأخذ الناس بالبينة وما جرت عليه السنة، فإن لم يصلحهم الحق والعدل فلا أصلحهم الله. فما خرج منها وإليها إلا وهي من أكثر بلاد الله أمنا وأمانا.

سيدي ومولاي، لقد اختلف مفهوم الأمن والأمان اليوم، فلم يعد مشتقاً من المصدر الثلاثي: أمن، بل أصبح مشتقا من المصدر الثنائي: مش أحسن ما نبقى زي سوريا والعراق، الذي أصبح عماد نظرية الأمن والأمان في زمننا هذا.

وقد بلغني يا مولاي، أن عمالاً عند أحد ولاتك قد اختفت من أيديهم بعض الأموال، فبعث إليك يستأذنك في أن يعمل السوط فيهم، فبعثت إليه متعجبا: إذا جاءك كتابي هذا فانظر من أقرّ منهم بشيء فخذه بالذي أقرّ به على نفسه، ومن أنكر فاستحلفه وخلِّ سبيله؛ فلعمري لأن يلقوا الله بخياناتهم أحبّ إليّ من أن ألقى الله بدمائهم والسلام.

ما زلت أكررهذه العبارة وكأنها أغنية ترن في كل مسامعي: لأن يلقوا الله بخياناتهم أحب إلي من ألقى الله بدمائهم. أبشّرك يا أمير المؤمنين في عالمنا اليوم، سوف يلقى الخونة اللهَ بخياناتهم كاملة يوم القيامة لم ينقص منها شيء في الدنيا، وسوف يلقى الأبرياء الله بدمائهم كاملة يوم القيامة لم يستوفوا من حقهم شيئا في الدنيا.

مولاي، لقد تهدم سور مدينة حمص في عهدكم، لا داعي أن أقول أن حمص قد تهدمت كلها اليوم، فبعث إليكم واليها يطلب مالا ليصلحه خشية إغارة الأعداء، فأجبته: حصّن مدينتك بالعدل، ونق طرقها من الظلم فإنه حصنها.

اليوم يا أمير المؤمنين، يحكمنا الجنود الذين هدموا بأيديهم حصون المدينة وأسوارها، وتحالفوا مع أعدائها وداسوا الحق وأقاموا الباطل، وحين نصرخ:  خبز، حرية، عدالة اجتماعية، يجيبون: ابعث أمك تقف على الحدود.. ربما السيدة والدتي لو أعطوها ربع الامتيازات التي يحصلون عليها لاستعدت مع كل العائلة أن تقف على حدود الوطن العربي كاملة دولة دولة، بل وحتى حدود موزمبيق وتنزانيا والإكوادور وتيمور الشرقية.

مولاي، لقد سمعت أن عاملكم على العراق كان يطوف بالأسواق يدعو الناس إلى أخذ المال الفائض من بيت المال فلم يجد من يأخذه، فقضى منه دين المدينين، وزوج منه الشباب، ودفعت الجزية عن غير القادرين، بل وفاض بعد ذلك من المال فوزع على رؤوس الجبال حتى لا يقال جاع طير في بلاد المسلمين.

فلعمري لأن يلقوا الله بخياناتهم أحبّ إليّ من أن ألقى الله بدمائهم

بربك يا أمير المؤمنين، ما الخطة الاقتصادية العبقرية العظيمة التي طبقتها حتى قضيت حاجات الناس؟؟ في أقل من سنتين ؟؟!! أهي مجرد إقامة الحق والعدل، كما بعثت إلى عاملك في خراسان الجراح بن عبد الله الذي أراد أن يصلح أمور الناس بالسيف والسوط، فبعثت إليه: أما بعد، فقد بلغني كتابك تذكر أن أهل خراسان قد ساءت رعيتهم، وأنه لا يصلحهم إلا السيف والسوط، فقد كذبت، بل يصلحهم العدل والحق فابسط ذلك فيهم والسلام.

لم تحتج يا أمير المؤمنين إلى الخطة الاقتصادية الخمسية! ولا العشرية! ولا إلى قروض صندوق النقد الدولي! ولا إلى المستشارين من خبراء الاقتصاد ورجال المال والأعمال في كبرى مؤسسات الاقتصاد العالمي في وول ستريت والبنك الدولي! ولا إلى تعويم الدينار الذهبي! ولا إلى بيع جزيرتي قبرص وصقلية للدولة الرومانية الغنية! الأمر أبسط من ذلك، فالناس يصلحهم العدل والحق، ولا

وختاماً يا أمير المؤمنين، سوف أبقى أردد لعل الناس يحفظون، فالتكرار في زمننا يعلم الشطار” الناس يصلحهم الحق والعدل، ولا يصلحهم السيف والسوط، فإن لم يصلحهم الحق والعدل، فإن السيف والسوط عن إصلاحهم أبعد”.

مع خالص الشكر والتقدير،،

مواطن من رعيتك ولد في زمن آخر

 

شاركنا بتعليق






لا يوجد تعليقات بعد