الإيمان هو الحل


الحمد لله، وبعد:

فالإيمان الذي يملأ القلب خشية لله، ومحبة له – سبحانه وتعالى – وتعظيمًا واستسلامًا، وتوكلاً، ورغبة ورهبة، وإنابة، وطمعًا في الجنة وخوفًا من النار، ويقينًا بوعد الله – سبحانه وتعالى.

 الإيمان الذي يرتقي بصاحبه إلى درجة المراقبة لله في حركاته وسكناته، ويظهر في صاحبه التقوى والورع، والإيثار ومحبة الخير للغير، والصبر، والصدق، والاستقامة، والنصيحة لله ولرسوله – صلى الله عليه وسلم – ولخاصة المسلمين وعامتهم، والتعاون على البر والتقوى، والبُعد عن النزاع والشقاق، والحرص على جمع الكلمة والمحافظة على المال العام، واجتناب الشبهات، واحترام الحقوق وتأدية الواجبات.

 الإيمان الذي لا يحتاج معه صاحبُه إلى قانون بشري يردعه، ولا إلى قوة ردع تزجُره غير مراقبة الله – سبحانه وتعالى – في السر والجهر، والذي يعمل على توليد القوة الرُّوحية، وتنمية الدافع الذاتي، وتقوية الوازع الداخلي، وبث الروح في الأقوال والأفعال، ومن ثَمَّ يسهل على المرء بعد ذلك القيامُ بالأعمال المطلوبة منه، ويسهل عليه حجز نفسه عن نزواتها ونزغاتها.

 هذا الإيمان هو الحل الأمثل لحياة مثلى، وعلى رأس ذلك إيجادُ مجتمع آمن ومتحابٍّ ومتعاون، حريص على عدم الاعتداء على الأموال والأعراض والدماء، فما أحلى أن نعيشَ سعداء، آمنين، مطمئنين، نقوم بواجباتنا، ونأخذ حقوقنا بكل قناعة وتسليم!

 

وبإطلالة سريعة على أرقى مجتمع عرفته البشرية – مجتمع الصحابة رضي الله عنهم – نجد أن ذلك الإيمانَ هو السبب الرئيس في الارتقاء بهم إلى القمة في كل شيء، وكله ناتج تربية عظيمة تلقَّوْها من معلم البشرية – صلى الله عليه وسلم – على مائدة القرآن.

 يوجِّههم إلى محبة بعضهم بعضًا ومنفعة بعضهم بعضًا، والسعي في حاجة بعضهم بعضًا، فيربطها بالإيمان بالله، وابتغاء ما عنده؛ فيقول – صلى الله عليه وسلم -: ((مَنْ كان في حاجة أخيه كان اللهُ في حاجتِه، ومن فرَّج عن مسلمٍ كُرْبةً، فرَّج اللهُ عنه بها كُرْبةً مِنْ كُرَبِ يوم القيامة، ومَنْ ستر مسلمًا ستره اللهُ يوم القيامة))؛ متفق عليه.

 بل يجعل كمال الإيمان منوطًا بالمحبة بينهم؛ فعن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: ((لا يُؤْمِنُ أحدُكم حتى يحبَّ لأخيه ما يحبُّ لنفسه))؛ متفق عليه.

 وأكبر من ذلك أنْ نفى كمالَ الإيمان عن شخص يقوم بأذية جاره فقال: ((والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن)) قيل: ومَن يا رسولَ اللهِ؟ قال: ((الذي لا يأمَنُ جارُهُ بوائقَهُ))؛ رواه البخاري، ونهى عن كل ما يخدش صفاء الإيمان فقال: ((لا تباغضُوا، ولا تحاسَدُوا، ولا تدابَرُوا، ولا تقاطعُوا، وكونوا – عِبادَ اللهِ – إخوانًا، ولا يحلُّ لمسلمٍ أن يهجُرَ أخاه فوق ثلاثٍ))؛ متفق عليه .

 

وجعل النصيحة دينًا، وعظَّم حرمات المسلمين، وحث على الإصلاح بين الناس، وحبَّب الشفاعة، وأثنى على المبادرين في فعل الخير وقضاء حوائج الناس، حتى مساعدة الرجل في تعديل حمل دابته.

 

وحذَّر أيَّما تحذير من كل ما يُفسد المجتمع، ويوسِّع الشقاق والنزاع، ويوغِر الصدور، ويعكِّر صفو الأخوَّة، وشدَّد في بعضها لعظيم أثرها وكبير خطرها، فجعل خيانةَ الأمانة نفاقًا، و((كل المسلم على المسلم حرام: دمُه وماله وعِرضه))، ورهَّب من الخوض في أعراض المسلمين، ونهى عن الغِيبة والنَّميمة، والهمز واللمز، والسخرية، وسوء الظن، والتجسس، وذمَّ ذَا الوجهين، وشنَّع في الكذب وأهله، وجعل سِباب المسلم فسوقًا وقتاله كفرًا، وهكذا كل ما يخدش صفاء الأخوة ووحدة المجتمع، حتى الكلمة العابرة والمِزاح العابث.

 

وكان قاعدة كل ذلك ومنطلقه هو الإيمان بالله وابتغاء رضوانه والسعي للفوز بجنته، حتى إن الرجل وهو يكرِم ضيفَه ينطلق من إيمانه بالله واليوم الآخر: ((مَن كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليُكْرِمْ ضيفَه))؛ متفق عليه.

 

قال – سبحانه وتعالى -: ﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ﴾ [الأعراف: 96].

 

وبالمقابل قال – سبحانه وتعالى -: ﴿ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ ﴾ [النحل: 112].

بقلم  الأستاذ: نبيل النشمي

شاركنا بتعليق






لا يوجد تعليقات بعد