ورشة عمل المرأة


الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد،
تعتبر قضايا المرأة المسلمة وما يتفرع عنها من أمور تتناول فقه الأسرة من أهم القضايا المعاصرة التي تحتاج إلى بيان أحكامها الشرعية خاصة مع ما يحاول الغرب فرضه من رؤى ومفاهيم بعيدة عن الإسلام تدّعي ظلم الإسلام للمرأة وتطالب بمساواتها بالرجل وفق رؤية بعيدة عن الشرع الإسلامي.

إن المطلع على الفقه الإسلامي يدرك أن الأصل في الشريعة المساواة في التكاليف بين الرجل والمرأة، إلا ما اختص به أحدهما عن الآخر لاختلاف بنيته وأدواره في الحياة.

إن مصلحة المرأة كانت دوماً محل اهتمام في الإسلام، ويكفي أن حجة الوداع تضمنت التوصية للرجال بالنساء، قال صلى الله عليه وسلم: (( ألا واستوصوا بالنساء خيرًا )) .

كما تضمنت كتب الفقه القديمة والحديثة بيانا واضحا بحقوق المرأة وفق مبدأ التوازن بين الحقوق والواجبات..

ومن أبرز الأمور التي تثار من حين إلى آخر موضوع حق المرأة بالعمل خارج المنزل، التي تدّعي المنظمات النسوية بان الإسلام حرمها منه وفضّل الرجل عليها في هذا المجال، وحصر عملها بالبيت وتربية الأولاد، مما منعها من تحقيق ذاتها وحرمها وحرم مجتمعها من الاستفادة من قدراتها المعنوية والمادية.

من أجل دحض هذه التصورات لا بد من التأكيد على الأمور التالية:

1. مفهوم الإنتاج والاستهلاك مختلف بين الشرق والغرب، فلا استهلاك مطلق عندنا، وأما الإنتاج في المجتمع المسلم فيتجاوز البعد المادي وله بعد قيمي ومقاصدي كبير، لأنّه يهتم بكل ما ينفع المرء في الدنيا والآخرة، وهو يهتم بالتنمية الاجتماعية وإشباع حاجات الانسان الروحية والجسدية.

2. إن عمل المرأة داخل بيتها تحاول المنظمات الغربية التقليل من شأنه عبر الخلط بين دَوْرَي الزوج والزوجة، وتشويه المفاهيم والمصطلحات أمر فيه هدم للأسرة والقيم والأخلاق.

3. إن الإسلام لم يحرم المرأة من العمل، والتاريخ الإسلامي يشهد على ما قامت به الصحابيات من أعمال كثيرة كالتجارة والحرف والمهن اليدوية والخروج للغزوات لمداواة الجرحى، وغيرها من الأعمال.

4. غالب الأعمال تصلح للرجل والمرأة على حد سواء، ما عدا تلك الأعمال التي لا تحافظ على قيمة المرأة وكرامتها في المجتمع المسلم.

5. إن الإسلام نظم عمل المرأة بما لا يتناقض مع المسؤولية المنوطة بها داخل بيتها كزوجة وأم.

6. إن عمل المرأة التربوي داخل البيت يساهم في تحقيق الاستقرار النفسي للأبناء كما يعمل على تنشئة جيل سليم النفس والجسد قادر على أن يبني مجتمعه بعيداً عن الجريمة والمشكلات النفسية والمعنوية.

إن إباحة الإسلام لعمل المرأة يخضع لبعض الضوابط والمفاهيم الشرعية التي يجب على المرأة مراعاتها إذا اختارت العمل خارج المنزل، ومن هذه الضوابط ما يلي:

1- الرجل هو المسؤول الأول عن العمل والإنفاق داخل أسرته وفق المهمة التي كلفه الله بها، وهي القوامة، علماً أن هذا القوامة تكليف وليست تشريفاً، فهي خدمة ومسؤولية، وهي رئاسة شورية تقنن شؤون الأسرة، وترتب أدوار الحياة بين أفرادها، بما ينعكس بالخير على الأسرة والمجتمع. علماً أن هذه القوامة تنقص إذا لم يقم الزوج بدوره في الإنفاق.

2- عمل المرأة خارج المنزل ليس بواجب، وهي إن اختارت العمل إلا أنها ليست ملزمة بالنفقة على البيت إلا تبرعاً منها وليس وجوباً، وذلك من باب مساعدة الرجل في مهمته خاصة في هذه الظروف الاقتصادية الصعبة، على ألا تتجاوز هذه النفقة الثلث حسب اجتهاد العلامة القرضاوي رحمه الله.

3-تحدّد الأعمال المناسبة للمرأة من عدمها بالمنظومة القيمية التي تحكم المجتمع المسلم، كما لا بد أن يسبق خروجها لأي عمل النيّة الصالحة وأن يكون عملها مفيداً للمجتمع، ولا يكون لمجرد إثبات ذاتها كما يقال.

4- توجيه المرأة إلى اختيار الدراسة والعمل في المجالات التي تحتاج لها الأمة، وعلى رأسها تلك التي تحتاج لها المرأة مثل الطبابة النسائية وغيرها.

5-اضطرار المرأة للعمل إذا فقد زوجها عمله، ينبغي أن تتعامل معه الزوجة على أنه حالة اضطرارية وليس هو الأصل، ذلك أن هذا الأِمر إذا طال فقد يؤدي إلى تكاسل الزوج أو تقاعسه وترك واجبه في الإنفاق، كما أنه قد يُخل بالأدوار المنوطة بكل واحد منهما داخل الأسرة.

6-يجوز للزوج أن يمنع زوجته من الخروج إلى العمل إذا أدى خروجها إلى تنقيص حقه أو حق أولاده، ولا يحق له أن يمنعها من العمل بلا سبب ولا ضرر يقع عليه، كأن تخرج للعمل في حالة غيبته عن البيت، ولا يحق له أن يمنعها من التجارة إذا كانت تقوم بهذا العمل من داخل المنزل. ويجوز لها أيضاً الخروج إلى العمل دون إذنه إذا أعسر بها وعجز عن القيام بنفقتها ونفقة عيالها، أو كان بخيلاً لا يكفيها حاجاتها.

7-يجوز للمرأة أن تعمل في كل المجالات من سياسة أو قضاء أو إفتاء، ما عدا الإمامة العامة كأن تكون خليفة للمسلمين، فإن الفقهاء متفقون على الذكورة كشرط له.
أخيراً نؤكد بأن الإسلام ينظر في عمل المرأة إلى تحقيق المصالح والمفاسد، ويُراعى الموازنة بين فرض الكفاية وفرض العين.
والله ولي التوفيق

المشاركات في الورشة: إيمان أبو صالح، نبال الخلف، هدية عبد الله، وفاء لوزة، سمية سرحان، أسماء بكور، مع الدكتورة مؤمنة العظم.
ملتقى خريجات الشريعة

 

 

شاركنا بتعليق






  • موضوع رائع جدا بارك الله فيكم ونفع بكم