التربية المسجدية


الحمد الله والصلاة والسلام على النبي الهادي الأمي محمد صلى الله عليه وسلم، لا يخفى على مسلم أهمية المسجد في حياة المسلمين وأثره على حياتهم من شتى النواحي العقائدية والتربوية والأخلاقية والسياسة، وهذه الأهمية تكمن في الاستقرار وفي بلد المسلم، وتزداد تلك الأهمية للمساجد ودور العلم والمراكز الدعوية في حال عدم الاستقرار وينبغي أن تكون محط انتباه وتركيز في بلاد المهجر مثل تركيا والدول الأوروبية حيث يتواجد المسلمون العرب

أما المسجد لغة: هو اسم مكان السجود وهو مصلى الجماعة، وفقهيا المكان الذي أعد للصلاة على الدوام، ولكن عمليا لم يكن المسجد للصلاة والعبادة فقط بل لانطلاقة القادة والجيوش التي حكمت العالم بأسره، ففيه ربى النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه صغاراوكبارا على الأخلاق الفاضلة وعلمهم العبادات وما جاء في الشرع الحنيف وكان مكان للفقير والغني وكان مكان لحل الخصومات، وملجأ لأهل الصفة، ومقر لإعداد الخطط العسكرية ونزول الوحي ومكان لطلبة العلم، فالنبي صلى الله عليه وسلم أول ما وصل إلى المدينة عين موضع المسجد لأهميته في حياة المسلمين.

وهناك ثلاثة مساجد تتفرع عنها كل المساجد في بقاع الأرض المسجد الأول هو بيت الله الحرام هو يمثل الأصل العقدي الذي ينطلق منه التوحيد، والمسجد الثاني مرتبط بالنبي صلى الله عليه وسلم نبي الرحمة وهو المسجد النبوي، والمسجد الثالث هو المسجد الأقصى الذي يمثل الحضارة الإسلامية ويمثل النبوات والرسائل السماوية وهو من ضمن المساجد الذي قال النبي صلى الله عليه وسلم لا تشد الرحال إلا إليها.
وجاء في القرآن آيات كثيرة تتكلم عن فضل بناء المساجد والدعوة إلى العبادة فيها: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ (36)} سورة النور { قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ (29)} سورة الأعراف

ومن هنا ندرك أهمية المسجد في العهد النبوي وإلى يومنا هذا، وفي زمننا هذا أحوج ما تفتقر إليه الأسرة المسلمة هو تعويد الأطفال لذهاب إلى المساجد، ولكن تلاحظ أخي المسلم إن المنافقين وأعداء الإسلام يحاربون ويخافون من فكرة إعداد جيل يتربى في المساجد لذلك بدوؤا بالتضييق على التدريس بالمساجد في كل مكان، فأذكر أننا في سوريا كان مدرس القرآن لا يستطيع أن يدرس في منزله حتى يحصل على موافقة أمنية من شعبة الأمن والمخابرات حتى يرهبوا الناس وتبتعد عن دينها
وعندما تعود بالأحداث 2011م التي مرت بالبلاد الحبيبة في سوريا تلاحظ أخي وأختي أن النظام الأسدي بدأ بهدم المساجد وأول هذه المساجد مسجد العمري في درعا فتخيل يرعاك الله خوفهم من أن نعود إلى ديننا بشكل صحيح.

وعندما تقرأ في السيرة النبوية تجد أهمية المسجد الذي كان مقرا تربويا وعسكريا واجتماعيا وعقائديا في ذاك الوقت، بعدما ظهرت الدعوة علنا ولم تعد اللقاءات قائمة في دار الأرقم أو شعب أبي طالب أو بيت رسول الله صلى اله عليه وسلم، فلقد تغير الوضع كله وأصبحت تربية مفتوحة في المسجد مع الصلوات قبلها أوبعدها والتركيز على صلاة الجماعة فلا يتخلف عنها إلا منافق مغموص النفاق، ففيه انطلقت الخطط العسكرية التي كانت سببا في فتح بلاد فارس والروم وباقي البلاد العربية، ومن المسجد تعلمت الناس أمور دينها ودنياها من النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، وفي المسجد علمنا النبي عليه أفضل الصلاة والسلام الحلم والصبر والقوة والتفاؤل وجعل منه مكانا روحانيا تستريح به النفس وتبتعد عن ملوثات الحياة، عندما كان النبي يذكرالجنة ويصفها فيأخذ بالناس إلى درجات عالية من النقاء والصفاء والإيمان ويذكر الناس بتقوى االله ويحذرهم النار التي وقودها الناس والحجارة ويحذرهم من الظلم وأكل مال الغير ويحضهم على بر الوالدين وتقبيل أطفالهم وعلى العدل، فكان المسجد مقرا تشريعيا لديننا الحنيف.

وفي فضل المساجد وردت أحاديث كثيرة أذكر بعضها “ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلا حفتهم الملائكة ونزلت علهم السكينة وغشيتهم الرحمة، وذكرهم الله فيمن عنده”، “ومن غدا أو راح إلى المسجد، أعد الله له نزلا في الجنة كلما غدا أو راح ” متفق عليه.
وكان المسجد في عهد النبي والصحابة رضوان الله عليهم مفتوحاً لمن يريد التفرغ للعلم، وأتت أحاديث طلب العلم التي هيجت المشاعر كلها باتجاه التلقي من النبي صلى الله عليه وسلم: “من سلك طريقا يطلب به علما سهل سهل الله له به طريقا إلى الجنة ”
“إن الله وملائكته وأهل السموات والأرض حتى النملة في جحرها وحتى الحوت ليصلون على معلمي الناس الخير”

ورافق هذه التربية أمران عظيمان:
أولهما: آداب طالب العلم المبثوثة في الأحاديث النبوية، من توقير العلماء، وحسن الإنصات.
ثانيهما: الإخلاص في طلب العلم ومرضاة الله: ” من تعلم علما مما يبتغى به وجه الله عزوجل لايتعلمه إلا ليصيب به عرضا من الدنيا، لم يجد عرف الجنة يوم القيامة “.
ومن هنا ندرك فوائد أن نصطحب أولادنا إلى المساجد وتعوديهم مجالسة أهل العلم، وتربيتهم على التكافل الاجتماعي عندما تحصل مشكلة لدى الأمة مثل سوء الأوضاع في الشمال السوري في الشتاء نرى التبرعات تنبع من المساجد فيتكافل الناس على سد حاجة الناس وتوفير مواد للتدفئة، ولا أرى أعظم من غمة الأمة الآن وهي الحرب على غزة وإخوتنا الفلسطينين بدأ الناس من المساجد تتضرع بالدعاء وتدعو لمقاطعة المنتجات التي تدعم اليهود والقوى الصهيونية، وصلوا صلاة القنوت.
وإن كان دور المساجد تراجع عما كان عليه سابقا بسبب التضييق الأمني والخوف من إعادة الفكر الإسلامي الصحيح الذي سيعود إن شاء الله ويحرر المسجد الأقصى ويحرر كل بقعة طاهرة من الظلم والفساد، ولكن على الأسرة أن تجد حلقات قرآنية سواء كانت في مساجد إن وجدت، وإن لم تجد تلجأ إلى حلقات قرآنية سواء كانت فيزيائية في مراكز دعوية أو الكترونيا حتى لا ينقطع أطفالها عن طلب العلم وتعلم القرآن الكريم.

فوائد المساجد والحلقات القرآنية كثيرة أذكر بعضها:
1ـ تعلم اللغة العربية من خلال تعلم الحروف العربية مبدئيا قراءة وكتابة، وخاصة لمن كان في بلد غير عربي.
2-تعلم ضبط تلاوة القرآن الكريم وفيه من البركة والثواب والنفع الكثير.
3-صورة من صور التكافل الاجتماعي مثل الدعوة إلى مساعدة إخواننا في غزة وإدلب من المتاع أو النقود أو الدعوات لمقاطعة العدو
4-تربية الطفل على حسن اختيار الصديق من خلال اختيار صديق يراجع معه ما ضبطه أو ما حفظه من القرآن.
5- وإذا قمنا باستقراء لمن يرتاد المساجد أو حلقات القرآن تجد أن نسبة الجرائم والمخالفات الشرعية والقانونية قليلة أو تكاد لا تحصل كما تحصل بين اليافعين في المدارس مثل تعاطي المخدرات أو الإلحاد أو الاضطرابات النفسية.
6-يكسب فصاحة اللغة العربية من معلمي القرآن ومن الدعاة الموجودين.
7- تدريب الطفل على العطاء والصدقة من خلال صندوق خاص بالتبرعات والصدقات.
8-المحافظة على الوقت وإدراك أهمية الوقت من خلال الالتزام بالمجيء بالوقت المحدد وفضل قدومه إلى ضبط القرآن وما فيه من الثواب.
9-الصحبة الصالحة تنعكس على السلوكيات والنفس.
10-التربية عل الأخلاق الفاضلة من خلال دروس الدعاة التي تحض على القيم الفاضلة مثلا الصدق والعدل وبر الوالدين
11-تنشئة جيل رسالي يكون لهم هدف التغيير وليس فقط متابعة وسائل التواصل والإدمان على الإلعاب الكترونية
12-إعداد جيل يقود الأمة وينهض بالأمة الإسلامية ويدعوها للتحرر من الفساد من خلال إنشاء جيل صالح مصلح لا يرضى بالباطل
13-وجود روحانية في المسجد لا توجد في مكان تعليمي آخر.
14- الحصول على الثواب عندما يزرع في عقل الطفل أن هذا يحبه الله وله حسنات وله نفع كبير.
15- غرس عقيدة صحيحة لاتزعزها يوتيوب ولا تيكتوك ولا أناس فارغون ومنحرفون
16-نصرة قضايا الأمة مثل قضية المسجد الأقصى والحرب على غزة.
17-الحفاظ على اللغة العربية.

نجد أن ثمرات المساجد كثيرة لا يمكن حصرها، منها ثمرات تربوية واجتماعية وتعليمية ودينية، ومن خلال هذه الفوائد أدركنا أهمية المساجد والمراكز التعليمية ولضمان استمراريتها علينا التبرع في تنظيفها والحفاظ عليها وإعطاء المال والوقت لها؛ لأنها محاربة من قبل المجتمع الغربي والمنافقين في المجتمع الإسلامي.

أوصي بالاهتمام بهذه المراكز من قبل مؤسسات حكومية تدعمها، والتعمق في التاريخ الإسلامي للأطفال والعودة إلى أمجاد المسلمين والتركيز على سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وسير الصحابة والتابعين ومن نبغ من العلماء السلف من خلال عمل برنامج يتحدث عن التراجم، حتى يعرف أطفال المسلمين تاريخم وأعلامهم ويكونوا قدوة لهم، وتعود الأمة الإسلامية كما قال فيها الله عز وجل: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} آل عمران، آية: 110.
والحمد الله رب العالمين فما أصابت فمن الله وتوفيقه وما أخطـأت فمن نفسي ومن الشيطان

بقلم الباحثة الاجتماعية: نجاح علي الولي

شاركنا بتعليق






لا يوجد تعليقات بعد