أسلوب حل المشكلات في تدريس فقه القضايا المعاصرة


مستجدات الحياة التي يفرضها التطور المدني والعمراني والحراك الحضاري للأمة يوجب السعي لبناء علماء تقوم على أكتافهم مهمة توصيف القضايا المعاصرة وإلحاقها بالأصل الشرعي التي تنضوي تحته.
وإن تدريس مقرر فقه القضايا المعاصرة يراد له في أعم أهدافه أن يسهم في بناء الفقيه المؤهل للنظر في المستجدات، وذلك عبر تدريبه على فقه الموازنة والترجيح، وربط المسائل المتشابهة، بغية إكسابه الملكة الفقهية التي تدرك بعمق متطلبات العصر، وتبتكر الحلول الأكثر صلاحاً للبشرية تحت مظلة التشريع.
ما سبق يدلنا على أن العناية ينبغى أن تنصرف إلى تنمية مهارات التفكير لدى الطلبة وتوسيع أوعية الاستنباط لديهم فإن فضاء الاجتهاد في المستجدات ليس طلقاً بل هو محكوم لضوابط وقواعد أساسية، وإن استثمار حكم المستجدة يحتاج إلى دربة عليها، لا إلى الحفظ والتلقين لها.

والواقع أن مخرجات التعليم (الطلاب) تتسم بتدنيها عن المستوى المأمول من ناحية امتلاكها للمهارات الأساسية فضلاً عن مهارات النظر الفقهي في المستجدات وتقويم الواقعة الحادثة، فهنالك ضعف عام نتج عن عدة عوامل اقتصادية وثقافية وسياسية، ولا شك أن ثمة جهوداً مبذولة على مستوى الدول والمشرفين والمعلمين إلا أن هذه الجهود لم تحقق النتائج المرجوة.

ولرأب الصدع وإنقاذ ما يمكن إنقاذه واللحاق بالركب، لزم أن يكون هناك علاج لمختلف العوامل المؤثرة، ومنها نوعية التدريس المقدم للطلاب، وجعل التدريس فعّالاً قادراً على إحداث التغيير المطلوب.
والتدريس الفعّال هو ذلك النمط من التدريس الذي يُفعّل من دور الطالب في التعلم فلا يكون الطالب فيه متلقياً للمعلومات فقط بل مشاركاً في التعلم وباحثاً عن المعلومة بشتى الوسائل الممكنة، فهو تدريس يعتمد على النشاط الذاتي والمشاركة الإيجابية للطالب التي من خلاها يقوم بالبحث مستخدماً مجموعة من الأنشطة والعمليات العلمية كالملاحظة ووضع الفروض والقياس وقراءة البيانات، والاستنتاج والتي تساعده في التوصل إلى المعلومات المطلوبة بنفسه وتحت إشراف الأستاذ وتوجيهه وتقويمه.

وأعتقد أن هذا السياق هو الذي تم في ضوئه اختيار موضوع الندوة في مركز التميز البحثي في فقه القضايا المعاصرة بأن تكون في تدريس القضايا المعاصرة.
ومن هنا كان اختياري لموضوع يدور حول اقتراح أسلوب تدريسي نَشْط يتمثل في (حل المشكلات) وقد عنوت لهذا البحث بـ «أسلوب حل المشكلات في تدريس فقه القضايا المعاصرة».

هذا ولقد كانت خطتي في هذا الموضوع على النحو التالي:

المبحث الأول: حقيقة فقه القضايا المعاصرة:
– المطلب الأول: تصور فقه القضايا المعاصرة.
– المطلب الثاني: خصائص فقه القضايا المعاصرة.

المبحث الثاني: في دراسة فقه القضايا المعاصرة وطرق تدريسها:
– المطلب الأول: ضوابط دراسة فقه القضايا المعاصرة.
– المطلب الثاني: طرق تدريس فقه القضايا المعاصرة.

المبحث الثالث: أسلوب حل المشكلات:
– المطلب الأول: تعريف حل المشكلات.
– المطلب الثاني: خطوات التدريس بـ ” حل المشكلات “.
– المطلب الثالث: أهمية توظيف حل المشكلات وصعوباته.

المبحث الرابع: تطبيق أسلوب حل المشكلات في تدريس القضايا الفقهية المعاصرة:
– المطلب الأول: التخطيط للتدريس.
– المطلب الثاني: التنفيذ والاتصال مع الطلبة.
– المطلب الثالث: التقويم لأداء الطلبة.
– المطلب الرابع: عوامل نجاح تدريس القضايا المعاصرة بأسلوب حل المشكلات.

الخاتمة والتوصيات.

وأخيراً: أسأل الله تعالى العلي القدير أن تعم الفائدة من هذا البحث، ويبارك فيه، كما أضرع إليه تعالى أن يتقبله قبولاً حسناً، وأن يهبني إخلاصاً يكلل أعمالي.

 

بين يدي البحث:
تشير أدبيات التعليم العالي إلى أن وظيفة الجامعة عندما أنشئت في بلدان الحضارة الإسلامية والأوروبية كانت لغرض التدريس ونشر المعرفة أساسا، وهذا لا يعني التقليل من أهمية الوظائف الأخرى للجامعات مثل البحث العلمي وخدمة المجتمع، وإنما الإشارة إلى أن هدف الجامعات بالدرجة الأولى تعليم الأفراد وإعدادهم إعداداً متكاملاً.

ولقد نصت المادة (110) من الفصل الخامس في وثيقة سياسة التعليم في المملكة العربية السعودية على أن من أهداف التعليم العالي: إعداد مواطنين أكفاء علمياً وفكرياً تأهيلاً عالياً.
وجاء في مقدمة أهداف الجامعات السعودية كلها: توفير أسباب التعليم الجامعي والدراسات العليا لإعداد الأكفاء المؤهلين، أو التميز الأكاديمي كما هي أهداف جامعة الملك فيصل.
ولذا تعد وظيفة التدريس أهم وظائف الجامعات وأكثرها فاعلية في إعداد الطلبة للحياة المستقبلية، إذ تزودهم بالمعارف النافعة، والاتجاهات السلوكية الإيجابية والقيمية، والمهارات العلمية والعملية اللازمة لتأهيلهم كي يصبحوا أعضاء فاعلين في خدمة أنفسهم وأسرهم وأمتهم، ويلعب عضو هيئة التدريس دوراً رائداً في إعداد مخرجات التعليم الجامعي، وتأهيلها بما يتناسب مع حاجات العصر.

لقد شهد العصر الحالي تفجراً معرفياً هائلاً وغير مسبوق، ولم يعد بوسع الإنسان أن يحيط إلا بالقدر اليسير من هذه المعارف المتدفقة، فبرزت الحاجة إلى تطوير أساليب التفكير المنطقي ليغدو الفرد قادراً على التعامل مع المشكلات المصاحبة للتطور، وعلى اتخاذ قرارات صعبة في قضايا معقدة، لذلك فقد سعت
الإدارات التربوية إلى بناء مناهج دراسية لتعليم التفكير، وإلى تدريب المعلمين على أنماط التفاعل النشط مع هذه المناهج بهدف تعليم الطلاب أساليب التفكير السديدة بالحوار المنظم، والإجابة على الأسئلة السابرة، وتنفيذ الواجبات البيتية.

وهكذا أصبح تعليم التفكير ضرورة تربوية ملحة لا تقبل التأجيل لأن الأمر يتعلق ببناء الجيل الذي تعده المدرسة لبناء المجتمع ومواجهة مستجداته الاجتماعية والاقتصادية.
وباتت طرق التدريس الحديثة تبتعد عن المفاهيم التقليدية المتضمنة فلسفة أن يكون التعليم قائماً على الأستاذ إلى ما يعرف بطرق ” التعلم المتمركز حول الطالب ” وقد يطلق عليه اسم ” التعلم النشط “.

ومن خلال منهج التعلم المتمركز حول الطالب يتم تهيئة بيئة تعليمية تحوي مواقف محفزة وجذابة بحيث تتيح الفرصة لنمو وتطور الطلاب على المستوى الشخصي، والمستوى الأكاديمي.
وتصمم هذه البيئة على أساس التركيز على إشباع حاجات التعلم والنمو لدى الطلاب من خلال اندماجهم ذاتياً وعلى نحو مستقل، في الأنشطة المعرفية والمهارية في تخصصاتهم المختلفة.

يرتكز هذا النمط التعليمي على الأنشطة التي تمثل اهتمامات الطلاب وميولهم واحتياجاتهم، ويقوم الأستاذ بدور إرشادي توجيهي لا يجب أن يتعارض مع ما يتحمس له الطالب.
ومن طرق التعلم النشط المتمركز على الطالب: طريق حل المشكلات، وحيث إن أهداف تدريس مقرر فقه القضايا المعاصرة يتلاءم مع طبيعة التدريس بحل المشكلات فقد اخترت أن أقدّم مقترحاً تطبيقياً ضمن قالب نظري لتدريسه وفق أسلوب “حل المشكلات”.

 

لتحميل البحث انقر هنا

شاركنا بتعليق






لا يوجد تعليقات بعد