خلق التغافل


خلق التغافل من أهم الأخلاق التي تحتاجها الأسرة المسلمة بشكل دائم؛ لكي تستقيم الحياة.
في حقيقة الأمر أنَّ العلاقة المثلى بين الزوجين لا تبنى على الصراخ والصراخ المضاد، وإنَّما على مكارم الأخلاق، قال الحق سبحانه:
(وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ۚ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا) }النساء 19{.
قال ابن العربي رحمه الله: (هو أمر للأزواج بعشرة نسائهم بالمعروف على التمام والكمال، فإنه أهدأ للنفس، وأقر للعين وأهنأ للعيش).
وقد تغافل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن حديثه لبعض زوجاته، فقال الله تعالى: (وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثاً فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ} التحريم:3.

والآية فيها توجيه رباني عظيم يؤسس لمنهج التغافل في حياتنا اليومية بشكل عام وفي بيوتنا بشكل خاص.
قال الإمام أحمد بن حنبل رحمة الله عليه: (تسعة أعشار حسن الخلق في التغافل).
قال الإمام عبد الله بن المبارك: (الْمُؤْمِنُ يَطْلُبُ الْمَعَاذِيرَ وَالْمُنَافِقُ يَطْلُبُ الْعَثَرَات).
فالتدقيق في تفاصيل الحياة اليومية، والنظر اليها بالعين المجهرية، ينغص الحياة بين الطرفين، ويجعلها صعبة للغاية، فتصبح العشرة كدرة، والمجالسة مُرّة، فلا بأس من الإعراض عن الأمور اليسيرة والتغافل عن السلوكيات الهينة، كي نزرع في بيوتنا فسحة من السعادة والاستمرارية لتستقيم الحياة.

من الأمور التي تعين على التغافل:
ـ تَذكُّر الإيجابيات: (ولا تنسوا الفضل بينكم)؛ هذه الآية وإن جاءت في سياق الطلاق، فهي في نفس الوقت تعطي إشارات للزوجين ليتخذوها شعاراً، يسترجعا من خلاله الأيام الحلوة التي قضياها -وهي كثيرة لا تعد ولا تحصى- والأوقات الحميمية التي جمعتهما، لأن الفضل، أعلى درجات المعاملة، ألا نجعل من ساعة الخصومة تهدم سنوات المودة.
ـ عدم تضخيم الأمور: إنَّ التغافلَ عن سفاسف الأمور ومحقراتها من صفات العقلاء النجباء، هذا ليس إضاعة للحقوق الزوجية، كما يتخيل بعض الأزواج، حيث يرى بعض الأزواج أنه لو لم ينبه على كل خطأ يقع لضاعت حقوقه الزوجية، وهذا فهم خاطئ في غير محله.
ـ معرفتنا أنَّ التغافلَ فرصةٌ؛ للتراجع والمراجعة والإصلاح.
ـ التغافل ليس إهمالاً؛ بل تجاوز عن أشياء ليست مهمة، للتركيز على ما هو أهم
إنَّ التغافلَ المحمود – بلا شك – قيمة إسلامية نحتاجها في حياتنا اليومية، بينما الإهمال والتقصير في متابعة من نعول فيما ينفعهم في الدنيا وينجيهم يوم القيامة آفة خطيرة لا بد من تلافيها.
وصلى الله على سيدنا محمد والحمد لله رب العالمين.

بقلم: أ. حمزة جمعة الفرج

شاركنا بتعليق






لا يوجد تعليقات بعد