الشورى في الأسرة المسلمة


التشاور مطلوب شرعا، ولذا أمر الله سبحانه نبيه صلى الله عليه وسلم بمشاورة أصحابه في الأمر، قال تعالى: (وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ) {آل عمران159}، وقال تعالى: (وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ).{الشورى38}، وكما هو مطلوب من المسلمين عموماً؛ فهو مطلوب بين الزوجين خصوصاً، لما يحققه من السعادة الزوجية والاستقرار الأسري، لا سيما في الأمور الهامة والتي تهمهما، فالحياة الزوجية تقوم على المشاركة بين الزوجين ولا سبيل لذلك إلا عن طريق الشورى؛ حيث أنها تشيع روح المحبة والمودة والتفاهم وتبعث الثقة والطمأنينة في نفسيهما.

أهمية الشورى في الحياة الزوجية:
ـ الشورى تُشعر كل طرف أن الطرف الآخر يحترم فكره ويقدّره، لاسيما أنَّه مبدأ إسلامي أصيل هدفه الوصول إلى الرضا النفسي وترسيخ مفهوم الشورى عند الأبناء.
ـ الحوار والتشاور بين الزوجين مدخل للتفاهم وتجديد الحب والعون على تخطى المشكلات، واستمرار الحياة الزوجية، أما غيابه فهو المدخل للتخاصم والشِقاق وضياع الحب والتفاهم.
ـ وجود ثقافة الشورى في الأسرة يجعل الأسرة أقرب للحق وأبعد عن الخطأ؛ كما قال الحسن بن علي : “ما تشاور قوم قط إلا هدوا إلى أرشد أمورهم”.

نماذج من الشورى:
1ـ أخذ النبي صلى الله عليه وسلم رأي أم سلمة رضي الله عنها في الحديبية ، لفضلها ووفور عقلها، وقد صار هذا دليلاً لجواز استشارة المرأة الفاضلة، وقد أوضح الحسن البصري ما يؤخذ من هذه الواقعة‏،‏ من شرعية استشارة النساء‏،‏ فقال‏:‏ “إنْ كان رسول الله لفي غنى عن مشورة أم سلمة‏،‏ ولكنه أحب أن يقتدي الناس في ذلك‏،‏ وأن لا يشعر الرجل بأي معرّة في مشاورة النساء‏”.‏
2ـ أخذ شعيب برأي ابنته حين قالت: (قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ ۖ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ).
3ـ في الصحيحين من حديث أم عطية رضي الله عنها عندما غسلت زينب بنت النبي صلى الله عليه وسلم قال لها النبي صلى الله عليه وسلم: “اغسلنها خمساً أو سبعاً أو أكثر من ذلك إن رأيتن ذلك”، فرد الرأي إليهن في ذلك.
وأما حديث: (شاوروهن وخالفوهن)، فحديث لا يصح، ضعفه السخاوي في المقاصد الحسنة، والشوكاني في الفوائد، وقال المُناوي في “فيض القدير”: لا أصل له؛ وحكم عليه بعض العلماء بالوضع.

من فوائد الشورى في الأسرة المسلمة:
ـ تعمل جلسات الشُّورى العائلية على تعزيز الشعور بالانتماء الأسري لدى الزوجة والأبناء.
ـ تعزيز قيمة الشعور بالمسؤولية بأنّ هذه المجالس أمانة، أي أنّ أسرارها يجب أن لا تتسرّب إلى الخارج، لأنّ ما يدور فيها هو شؤون الأسرة الخاصة وليس من الأمانة نقلها أبدًا.
ـ تطبيق مبادئ الشورى في الأسرة يجعلها أقرب للحق وأبعد عن الخطأ.
ـ تُحقّق المشورة قدرًا لا بأس به من الشعور بالمسؤولية الجماعية التضامنية، حيث ستكون عملية توزيع المهام والتكاليف وتقسيم الأعمال مهمّة سهلة ومقبولة من الجميع الذين يشعرون أنّ الفرص تتكافأ أمامهم.
ـ ما يجري من حوار ونقاش واحترام للرأي وللرأي الآخر، هو عملية إعداد وتأهيل للمستقبل الذي سيخرج أبناء وبنات هذا البيت الذي يعتمد أسلوب الحوار ليواجهوا الحياة بثقة أكبر، وسيتعلّمون كيف يُخطِّطون، وكيف يواجهون مشاكلهم، بل ويمتدّ أثرها إلى مستقبل تربيتهم لأبنائهم.
ـ الشورى تربي على التواضع وتخلص الفرد والأسرة من أثر الاستبداد والتعنت بالرأي.

بقلم: أ. حمزة جمعة الفرج

شاركنا بتعليق






لا يوجد تعليقات بعد