الصّمت الزّوجيّ


يُعدّ الصّمت الزّوجي حسب دراسات عديدة ثاني أخطر مهدد للعلاقة الزّوجيّة بعد الانفصال (الطلاق) العاطفي.
ففيه يسود الصّمت المخيف بدل التّفاعل الإيجابيّ ويتوقف اللسان عن الكلام، وتتوقف النّظرات عن الإعجاب، فتدخل العلاقة الزوجيّة في بئر مظلم خانق يسمى الخرس أو الصّمت الزّوجيّ.
فما هو الصّمت (الخرس) الزّوجيّ؟
هو غياب للتّفاعل العاطفيّ بين الزّوجين، يتجلى بتوقف الكلام المثمر بينهما أو الحوار الهادئ لحل المشكلات، فيكون شكل العلاقة بين الزّوجين صمت وسلبيّة.

ومن أهمّ أسباب الصّمت الزّوجيّ:

1- الحوار السّلبيّ بين الزّوجين:
العلاقة الزوجيّة تتعرض بشكلّ طبيعي لمشكلات وتحديات مختلفة، فإذا علت الأصّوات وحصلت المشاجرات فنحن أمام أهمّ مؤشر لحدوث صمت زوجيّ في المستقبل القريب.

2- الفجوة بين الزّوجين:
عندما تختلف الاهتمامات بين الزّوجين سيؤدي إلى فجوة ثقافيّة بينهما، فيسود الصّمت ويغيب التّفاعل الإيجابيّ بشكلّ تدريجيّ بينهما.

3- إدمان وسائل التّواصل:
داء العصر، مدمر البيوت العامرة، قاتل العلاقات الدافئة، إنّه إدمان وسائل التّواصل، وخصوصا ظاهرة المقاطع القصيرة المليئة بالتّرفيه والعريّ والسّخافة.

4- الضّغوط الماديّة للزّوج:
أغلب الرّجال يتعرضون لضغوط ماليّة صعبة جدًا، ومن فطرة الرّجل أنّه عند كثرة الضّغوط يميل للعزلة والصّمت.

5- عدم التّعبير عن المشاعر:
بعض الأزواج تربّوا في بيئات لا تعطي المرأة أهميّة، وربما ينشأ طفل في أسرة لم يرى يومًا في حياته جلسة ودية بين أبيه وأمه ـ على فنجان قهوة أو كأس شاي ـ يتبادلان الحديث الإيجابيّ بينهما.
أو تكون البيئة التي نشأ بها تعتبر الغزل أو مدح الزّوجة منقصة للرّجولة، فلا يفهم فطرة المرأة وحاجتها للمديح والثّناء.
أو ربّما الأنانيّة المفرطة عند أحد الزّوجين بعدم التّعبير عن مشاعر الإعجاب أو الشّكر لجهود بعضمهما البعض.
كل تلك التي الأسباب التي ذكرناها كفيلة بهدم أيّ علاقة زوجيّة، فإذا استمر الزّوجان بالتّغافل وعدم معالجة هذه المشكلة – الصّمت الزّوجيّ- فنحن أمام علاقة مهددة بأي لحظة بالانهيار، بالإضافة لغياب الحصانة النّفسيّة والعاطفيّة مما يهدّد بحصول خيانة عند أحد الزّوجين ــ في حال ضعف القيم والمراقبة لله عزّ وجلّ.

فما أهم الحلول المقترحة لإنهاء حالة الصّمت الزّوجيّ:
1- البحث عن أسباب المشكلة:
لابد من التّحليل الدّقيق للسّبب الّذي أدى لوجود الصّمت وغياب التّفاعل الكلاميّ بين الزّوجين، من خلال البحث عن النّقاط الخلافيّة الّتي أدت لحدوث هذه الظّاهرة، والابتعاد عن إنكار المشكلة أو التّغافل عنها، فالخطوة الأولى لحلّ أيّ مشكلة الاعتراف بها.

2- الحوار الهادئ:
بعد معرفة أسباب المشكلة لابد من الحوار الهادئ، بعيدًا عن مشكلات الماضي أو تذكير أحد الزّوجين بعضهما بسلبيات الآخر.
حوار يقوم على المسامحة والحب ــ لا مكان فيه للمشاجرات أو ارتفاع الأصوات ــ مع مناقشة أسباب المشكلة دون تشتت أو هروب منها، وعندها فقط نكون وضعنا العلاقة الزوجيّة في بداية الطريق السّليم للقضاء التّدريجيّ على الصّمت الزّوجيّ.

3- إعطاء الفرص وتقوى الله عزّ وجل:
أساس العلاقة الزّوجيّة قائم على التّقوى فالبيوت تقام على التّقوى. ومقصد العلاقة الزّوجيّة المودة والرّحمة، فلابد من تقوى الله وإعطاء الزّوجين الفرصة لبعضهما بترميم العلاقة وعدم الاستهتار بهذا الرّابط المقدس بينهما، والحرص كل الحرص على أداء الصّلاة في وقتها والذّكر والدّعاء والتّوبة من الذّنوب – فغالبًا الذّنوب سبب جوهريّ لفتور العلاقة الزوجيّة-.

4- جلسات يوميّة قصيرة:
الجلسات القصيرة بين الزّوجين تكسر الجليد بينها. ومن الأفكار التي ينصح بها الزّوجين لهذه الجلسات:
– السّؤال المتبادل: وفيه يسأل الزّوج ويأخذ الإجابة، ثمّ بعدها تسأله الزّوجة سؤال آخر وهكذا… ومن الأسئلة اللطيفة: ما الذّكريات الجميلة في حياته؟ ما أفضل كتاب بالنّسبة لها؟ من أكثر شخص أثّر في حياته…الخ.
– ما الأيام الجميلة بينهما: من خلال استحضار أيّام الخطوبة وأيّام الزّواج الأولى أو ذكر لحظات كانت جميلة بينهما.
– قراءة القرآن الكريم وتدبّره معًا: فما أجملها من نصف ساعة تكون مع كلام الله عزّ وجلّ، يتدبر الزّوجان كلام الله فتحصل المعرفة والبركة وتطرد الشّياطين.
– قراءة كتاب أو رواية مشتركة، أو تحكي الزّوجة لزوجها بعض القصص الجميلة الخفيفة.

5- تفهّم الزّوجة للضّغوط الّتي يتعرض لها الزّوج:
في ظلّ هذه الظروف نجد كثير من الأزواج يعاني من الضّغط المالي. وهذا يسبب له احتقان داخلي يمنعه من التّواصل السّليم مع الآخرين وخصوصًا زوجته وأبناءه، فننصح الزّوجة بالتّرفق به والتّفهم لهذا الأمر والقيام بخطوات بسيطة تدريجية لإحياء العلاقة بينهما دون استعجال.

6- التّعبير عن المشاعر:
من خلال شكر الزّوجين لبعضهما البعض ـ على الأقل ـ عند القيام بأيّ عمل مهما كان بسيطًا. فعندما يأتي الزّوج بلوازم المنزل تقوم الزّوجة بشكره والدّعاء له، وعندما تطبخ الزّوجة أو تنظف البيت أو تغسل الصحون يقوم الزّوج بشكرها والثّناء عليها، أو عندما تتجمل المرأة وتلبس ثيابًا معينة يثني على جمالها وأناقتها… فالتّعبير عن المشاعر وشكره باب من أبواب المودة والبركة.

وختامًا، عرفنا الصّمت الزّوجي وذكرنا بعضًا من أسبابه، ثمّ تعرفنا على عدد من الحلول لعلاجه، وكل ذلك من أجل الحفاظ على هذا الرّابط المقدس والميثاق الغليظ بين الزّوجين، ومن أجل علاقة زوجيّة قائمة على التّقوى ومقصدها المودة والرّحمة، يرضى الله سبحانه وتعالى عنها ويبارك، وإنّ هذا لشرف عظيم ومقصد جليل يستحق منا الصّبر وعدم اليأس والمحاولة مرارًا وتكرارًا لبلوغه.
نسأل أن تكون بيوتنا عامر بالحب والإيمان.

بقلم: محمد لحموني

مركز الوقاية الأسرية – مجمع سلطان العلماء

شاركنا بتعليق






لا يوجد تعليقات بعد