كن بخير في مواجهة الحزن


ذكر الحزن في القرآن الكريم ولم يأت إلا منهياً عنه، لنتائجه السلبية على العبد، وليس شيء أسعد على الشيطان من حزن المؤمن، لذلك جعل الله أوليائه لا خوف عليهم ولا هم يحزنون في الدنيا والآخرة، فقال عز من قائل: {أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [يونس: 62]. بلغنا الله منازل أوليائه
ووجه الحبيب الأعظم صلى الله عليه وسلم صاحبه وهو في الغار إلى ألا يحزن فقال له: {إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} [التوبة: 40]

ما الحزن؟
الحزن هو ألم نفسي يوصف بالشعور بالبؤس والعجز، غالباً يعد الحزن هو عكس الفرح.
وهو شبيه بالهم، الأسى، الكآبة، اليأس.
من المؤكد بأن هذه المشاعر بالعادة هي مشاعر سلبية عندما يشعر بها الإنسان فيصبح الشخص هادئاً، قليل النشاط، منفعلاً عاطفياً وانطوائياً، يصاحب الحزن أحياناً البكاء ولكن ليس بالضرورة، الحزن بالعادة يكون لفترة مؤقتة ليست بالطويلة..
يقول ابن القيم الحزن يضعف القلب ويوهن العزم ويضر الإرادة ولا شيء أحب إلى الشيطان من حزن المؤمن.
فلا يمكن للحزن أن يكون عند إنسان ولا يتأثر به فلا بد للإنسان أن يحمي نفسه من الحزن ويبني السدود المنيعة حوله وذلك يكون بطرق متعددة كإبداء عدم الاهتمام، أو حرفياً وضع سماعات يغلق أذنيه عن السماع، أو المواجهة أو الانسحاب للأبد مالم يفرض عليك وجودهم
المهم ألا تسمح لحالة الحزن أن تسرق نشاطك ورغبتك في الحياة .. قاوم أو مثل أنك تقاوم وأول من سنخدع نفسك بهذا وتظهر قوياً.

استجب لفطرة المقاومة
قد جبلنا على مقاومة الصعوبات فلم نجبل على الاستسلام أبداً، فصراخ الطفل الرضيع رافضاً الجوع رافضاً البرد رافضاً الاستسلام
استمع لصوتك الداخلي الذي يهمس لك أنك تستحق الأفضل، الصوت الذي يحاول أن ينتشلك من الإحباط والعجر والاستسلام.
المقاومة شجاعة أياً كان نوعها، هي الصوت الهامس الذي يهمس في أذنك مساء كل يوم: لا بأس غداً سنحاول مرة أخرى
إن مر بك في يوم فشل أو تحدي فستحدثك نفسك قبل النوم إما بالاستسلام والتنازل عن الهدف أو بالشجاعة المتمثلة في عزمك على مواجهة ذلك التحدي مجدداً، فالاستسلام هو الخيار السهل الذي يجر صاحبه للإحباط فيما بعد، لكن تنبه ففي أحيان يكون الاستسلام خياراً جيداً لأن الحياة ستكون مرهقة لو قاتلنا لصغير الأمور وكبيرها فلا بأس بأن يشتري الإنسان راحته إن كان الأمر لا يستحق السعي المستميت لكن لا تجعل نفسك تستسهل هذا الأمر دائماً وتعتاده.
نحتاج أحياناً أن نلزم أنفسنا بمحاولات لا نضمن نهايتها وكأننا نسير في طريق لا نعلم نهايته، لكننا نعلم وبقوة أننا نريد أن نصل للوجهة النهائية، لأن إحدى تلك المحاولات ستنجح في النهاية ولا بد بمشيئة الله وشرف المحاولة هو وقود السير، فأن تحاول وتفشل خير من أن تمضي بقية عمرك متسائلاً فيما لو كنت ستنجح لو حاولت أكثر..
تأكد أن الله لن يكلفك مالا تطيق..

اجعل الحزن وقوداً
في القلب حزن لا يذهبه إلّا السرور بمعرفة الله.
تستطيع أن تستفيد من الانفعال الذي يصاحب الحزن بتوجيه حياتك لمكان أفضل هذا الضعف سيصبح قوة عظيمة لو اتجهت به نحو السماء، وجه هذا الانكسار لله وكلما كان انكسارك أكبر كان جبرك أعظم.
وأيضاً فإن حالة الحزن تجعلك تدرك أهمية أن تتخلص من الحزن وتعيش حالة نفسية سوية.
ومن أجمل نتائج الحزن أنك تتعرف على قدراتك الدفينة، كأنك تكشف وجود شخص لا تعرفه، هو أنت الحقيقي بجهدك وصبرك وقوة تحملك، ستجد نفسك معجباً بهذه الشخصية التي لم تعلم وجودها بالرغم من أنك عشت معها.
ففي داخلك روح نفخ فيها رب العالمين من روحه ما ابتلاك إلا لعلمه أنك قادر على مواجهة ما تمر به الان.
في كل مرة تحزن استبشر بأن وراء هذا الحزن سعادة عظيمة، فمن لم يجرب الحزن لا يعرف السعادة وبضدها تتميز الأشياء، فإن وظيفة اليأس أن يدلك على الأمل، فالأمل لا يبنى على الأمل وإنما يبني على خيبة أمل، على يأس على حزن، فلا بأس بماض حزين إن كان ثمناً لسعادة طويلة فيما بعد..
ومن أعظم نعم الله علينا أن جعل الحزن الذي يصيب الإنسان في الحياة الدنيا، له فيه الأجر وتكفير الخطايا، فقال صلى الله عليه وسلم: (ما يصيب المؤمن من نصبٍ، ولا وصبٍ ولاهمٍ، ولا حزنٍ ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه) متفق عليه

هناك من تعرض للأسوأ
من أكثر ما يواسي الإنسان حين يمر بأزمة أن هناك من مر بأزمته أو مشابهة لها وتجاوزها.
قد يكون من مر بالأسوأ وتجاوزه هو أنت فاسترجع بطولاتك السابقة في الصبر والمثابرة، استرجع ما مررت به من أحداث.
انظر لمن حولك مبتلين بأمور يرعبك تخيلها، لم يقتلهم الحزن، النفس البشرية قوية بالله الذي نفخ فيها من روحه، فحاول أن تستعظم نفسك التي تواجهه.

أنت أقوى من الظروف
يقول أبو الطيب المتنبي:
وإذا كانت النفوس كباراً *** تعبت في مرادها الأجسام
هناك الكثير من الناس من أثبتوا أنهم أقوى من الظروف ونجحوا في تحدي الظروف المحيطة بهم
فحين تتمكن من المذاكرة برغم سوء أوضاعك الصحية أو المادية أو العائلية، وتتفوق في المواد التي رسب بها غيرك، فأنت أقوى من الظروف.
إذا استطعت أن ترسم على شفتيك ابتسامة واسعة وتعامل من حولك بلطف ومرح في الوقت الذي تصارع فيه أمواج الاكتئاب العاتية وظروفاً نفسية صعبة لسبب ما، فأنت أقوى من الظروف
إذا وجدت نفسك حبيس عادات غذائية سيئة ووزن زائد، وساكن في مكان يحفل بمغريات الطعام والشراب، ولا أحد من حولك يدعم رغبتك، وبالرغم من ذلك استطعت أن تصل بنفسك إلى بر الصحة والرشاقة فأنت أقوى من الظروف وهكذا.
لقد عشنا في وهم اسمه العجز، اقتنعنا بأننا ضعفاء وأننا لا نستطيع قلب الأمور لصالحنا، اعتدنا الاستسلام ولم نعد نستنكر وجوده، الانهزامية التي نعيشها ونعتبرها من المسلمات ما هي إلا حالة ذهنية أقنعنا أنفسنا بها، نحن من أكرمنا الله من فوق سبع سموات..
ثق بنفسك فأنت قطعاً أقوى مما تظن.

هذه ليست نهاية العالم
قد قيل في هذا: إن ما تظن أنه النهاية قد يكون هو البداية
فالأزمات لم تنه حياتك فما دمت حياً تتنفس فجسمك يريد الحياة، يطلب النوم والطعام، فيجب أن تعيش هذا العمر وأنت قوي، فلو كانت النهاية لداهمك الموت.
هل يعقل أن تعلن الانسحاب من جمال الحياة كلها فقط لأن أحدهم ظلمك أو خذلك، أو ضايقك بشكل من الأشكال، لا أحد يستحق أن تخسر الحياة لأجله، فإن وجد فهو لا يرضى لك بهذا.
الأمر ليس سهلاً، لكنك تستطيع تجاوزه بعد أن تتجاوز حالة الصدمة الأولى، ستستطيع أن تكلم نفسك بعقلانية وتلملم بقايا روحك من بين أقدامهم، وتقف على قدمك مجدداً.
نهاية العالم قادمة لا محالة، ونهايتك ستكون بموتك فكونك ما زلت على هذه الحياة فأنت موجود فالمصائب والأزمات لا تنهي الحياة.

من المؤسف أن هناك من فقد حياته قبل موته الحقيقي، هي تلك اللحظة التي توقف فيها عن التطور، وربما بدأ يتجه للوراء، هي اللحظة التي حكم فيها على طموحه بالموت بسبب خيبة ألم كبيرة ألمَّت به، توقف الزمن لديه عند حدث معين مرَّ به ومتمسكاً بحلم لم يكتب له..
فمنهم من توقفت حياته لفقد حبيب وأمعنوا في تعذيب أنفسهم ونسوا أنه بحاجة لدعائه لا حزنه فهذا لا يفيده.
وآخر توقفت حياته لأنه لم يتزوج من امرأة توهم أنها السعادة وأن لا حياة له مع غيرها فحين كانت من نصيب رجل غيره فقد أعلن وفاته.

فلم يكن رمي سيدنا يوسف في البئر نهاية المطاف، ولا بيعه بثمن بخس، ولا اتهامه بالخيانة بل بقي مستمراً في الإصلاح وتحقيق الإنجازات التي انتهت به أن أصبح عزيز مصر.
مهما كان من سبب لتعاسة الإنسان فالحياة أغنى من تتمحور حول شخص أو حدث فهي لا تثبت على حال، من ظلم الإنسان لنفسه أن ينهيها بيده فيوقف الزمن، تأمل في جسدك فستراه يدعوك للحياة مجدداً، النبضات التي يعزفها قلبك تؤكد لك أنه يريد أن يعيش، لبي دعوات الحياة، ولا تغلق نافذة روحك مالم يتوقف جسدك..

وتستمر الحياة
حاول أن تتحرك مع هذا العالم الذي لن يقف من أجلك، ستستمر الحياة وسيمضي كل شيء فكما قال الإمام الشافعي:
ولا حزن يدوم ولا سرور *** ولا بؤس عليك ولا شقاء
حزنك لن يمنع من مرور الوقت، المصيبة التي تبكيك ليلاً لن تمنع عجلة الحياة من الدوران كأن شيئاً لم يكن..
إن من يظل أسير اللحظة لا يوقف الزمن وإنما يوقف نفسه، انظر إلى الأشجار مهما امتدت جذورها راسخة إلا أنها تتغير من المتغيرات الجوية، هذه سنة الكون الرائع التي تأبي الاستسلام.
كل خطوة تخطوها يجب أن تكون إلى الإمام وإلا كانت للوراء، امض مع الحياة في حلوها ومرها، جرب ألا تقف في وجه الموج العاتي وإنما جرب أن تستمتع باللاحيلة.
سعيداً أم حزيناً ستعيش حتى النهاية المكتوبة، كما أن كل شيء تنتظر مضيه سيمضي بإذن الله سيكتمل البنيان، ستنال الشهادة، سيكبر الأبناء، ترفق بأعصابك، فكل ما هو آت آت..

شاركنا بتعليق






  • مقالة جميلة ،،تحكي الواقع ،،،،،وتحفز الانسان ان يجد نفسه ،،،ولايستسلم ،،،،ويصبر على مر العيش ،،،ويشكر الله على كل حال ،،،
    الحمدلله دائما وابدا ولاحول ولاقوةالابالله

    جزاك الله خيرا استاذة رزان

  • جميلة جدا ،،،تلامس الواقع ،،،جزاك الله خيرا