الزوجة العفيفة المصون


كم جملت العفة من قبيح، وكم قبّح تركها من مليح، يقول الشاعر:
فَإِنْ بَرَزَتْ كَانَتْ لِعَيْنَيْكَ قُرَةً … وَإِنْ غِبْتَ عَنْهَا لَمْ يَعُمَّكَ عَارُهَا

فما تزينت المرأة بمثل العفة والطهر والنقاء والصفاء، حتى حين مدح الله الحور العين قال عنهن: {قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ} سورة الرحمن، أي لا يتطلعن لغير أزواجهن، ولقد مدحت امرأة العزيز يوسف بالعفة، فقال الله عزوجل على لسانها: {وَلَقَدۡ رَٰوَدتُّهُۥ عَن نَّفۡسِهِۦ ‌فَٱسۡتَعۡصَمَۖ} سورة يوسف، وإن كان في موقف لم يوافقها فيه لهواها إلا أنه خلق عظيم يمدح عليه، فالعفة هي خلق الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، حتى سيدنا موسى حين سقى للفتاتين لم ينظر لهما ولم يتعرض لهما بل سقى لهما أغنامهما وتولى، فأعجبت به الفتاتين وذكرت هذا لأبيهما، فهي مطلوبة من الرجل والمرأة، لكني الآن بصدد الحديث عن المرأة والزوجة الصالحة.

وقد تحدثنا في مقالات سابقة بداية عن التوافق في الحياة الزوجية، وذكرنا قصة شريح مع زوجته وكيف أنه عاش معها السنين الطوال بوفاق وتآلف، ثم عرجت على صفات في الزوجة المؤمنة تضفى على الحياة الزوجية الوفاق والاستقرار والأمن والسلام، فكان مقال الزوجة المطيعة، ثم مقال الزوجة الجميلة، والآن الزوجة المصون العفيفة، وهذا كله مستند إلى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي رواه أحمد حين سئل أي النساء خير، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، ‌أَيُّ ‌النِّسَاءِ ‌خَيْرٌ؟ قَالَ: ” الَّتِي تَسُرُّهُ إِذَا نَظَرَ، وَتُطِيعُهُ إِذَا أَمَرَ، وَلَا تُخَالِفُهُ فِيمَا يَكْرَهُ فِي نَفْسِهَا وَمَالِهِ ” رواه أحمد وقال أيضاً: “الدنيا متاع وخير متاعها المرأة الصالحة، إن نظر إليها سرته، وان أمرها أطاعته، وإن غاب عنها حفظته في نفسها وماله” سنن ابن ماجه.

وسيكون في المقالات القادمة بعون الله صفات في الزوج تسهم في الوفاق في الحياة الزوجية

وقال الله تبارك وتعالى حين أراد أن يوضح صفة الزوجة المؤمنة التي يرضى عنها، فقال: ﵟ‌فَٱلصَّٰلِحَٰتُ ‌قَٰنِتَٰتٌ حَٰفِظَٰتٞ لِّلۡغَيۡبِ بِمَا حَفِظَ ٱللَّهُۚﵞ  سورة النساء

“قال الطبري في تفسيره:
يعني: حافظات لأنفسهن عند غيبة أزواجهن عنهن، في فروجهن وأموالهم، وللواجب عليهن في حق الله في ذلك وغيره. اهـ.
وقد تقدم قوله صلى الله عليه وسلم في خير النساء: ” … وتحفظه في نفسها وماله”

وهذا شرح أكبر لهذه الآية، وهو ما جاء في تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن: “{‌حَافِظَاتٌ ‌لِلْغَيْبِ}؛ أي: حافظات للسر الذي يجري بينهن وبين أزواجهن في الخلوة من الرفث – الجماع – والشؤون الخاصة بالزوجية، لا يطلعن أحدًا على ذلك السر، ولو قريبًا، وبالأولى يحفظن العرض من يد تلمس أو عين تبصر أو أذن تسمع، أو حافظات لما يجب حفظه عند غيبة أزواجهن عنهن، من حفظ نفوسهن وأموالهم، {بِمَا حَفِظَ اللَّهُ}؛ أي: بسبب تحفيظ الله إياهن ذلك السر، وأمره إياهن بحفظه، فهن يطعنه ويعصين الهوى، أو حافظات لغيب أزواجهن بحفظ الله لهن ومعونته وتسديده، أو حافظات بما استحفظهن الله من أداء الأمانة إلى أزواجهن، على الوجه الذي أمر الله به، أو حافظات له بحفظ الله لهن بما أوصى به الأزواج في شأنهن من حسن العشرة ” هذه المعاني كلها تحتملها الآية ويجب على الزوجة الصالحة أن تتحلى بها.

فأين أنت أيتها الزوجة المؤمنة من تلك الصفة العظيمة الكريمة؟! في زمن كثرت فيه الفتن، وسهلت الخيانات، وتجد امرأة متزوجة ترسل لشيخاً أو طالب علم لتشتكي له من زوجها وتفضفض له بحجة أنها ترسل له سؤالاً، ثم تنحدر بعد ذلك، والعياذ بالله، وأخرى تمازح أقرباء زوجها من أخ أو ابن عم أو غيره من الأجانب، ثم يتحول هذا إلى إعجاب ومشاعر محرمة إذا لم تصل لأفعال محرمة نسأل الله السلامة واللطف، فهذه كلها أفعال تنافي العفة والحياء..

وأخرى تعجب بالمشهورين التافهين الذين ابتلينا بهم على وسائل التواصل وتتابعهم وتهتم لأدق تفاصيلهم، راقبي أيتها الزوجة الذكية الفطنة تصرفاتك وخطراتك ألا تكون إلا لزوجك حلالك، وتحلي بأخلاق الحور العين اللواتي هن قاصرات طرفهن إلا على أزواجهن فقط.

فهذا الحفظ في النفس..

أما الحفظ في المال ـ إن غاب عنها حفظته في نفسها وماله ـ أن تتقي الله فيما تصرفه وتنفقه من ماله، وتنفق بالمعروف، وألا تصرف ماله الذي هو كد حياته وتعبه فيما يزعجه أو يضيق به، أو تهدي أمها وأقاربها من ماله دون علمه ولا تعلم منه الرضى بهذا، فكل هذا لا يليق بالزوجة التي تنشد الود والحب في حياتها.
وفقنا الله لجعل حياتنا حياة ملئها الحب والاستقرار والأمن والأمان، والحمد لله رب العالمين.

إعداد: مركز الوقاية الأسرية

المراجع:
1ـ القرآن الكريم
2ـ مسند أحمد
3ـ سنن ابن ماجة
4ـ صحيح فقه السنة وأدلته وتوضيح مذاهب الأئمة، المؤلف: أبو مالك كمال بن السيد سالم.
4ـ تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن، المؤلف: العلامة محمد الأمين بن عبد الله الشافعي

 

شاركنا بتعليق






لا يوجد تعليقات بعد