التربية الوالدية: وضع حجر الأساس


أيهما أولى الحق أم الحرية؟
الحرية الشخصية واحدة من أهم القضايا الرئيسية في تربية الأولاد وقد غدت هدفا في حد ذاتها في البلدان الصناعية الحديثة حيث يمنح كثير من الآباء أولادهم حرية لا حدود لها تقريباً، الأمر الذي يظهر أثره في النهاية على الوالدين، لأنه يعمل على تشجيع الرغبات الأنانية للأولاد على حساب الحس الجماعي والقيم الأخلاقية، إذ إن الرغبات غير المتحكم فيها لا ننكر خطورتها؛ لاحتمال أن تتجاوز حدود التعاليم الأخلاقية الرحيمة.
كما تستعبد الناس ملذات الحياة المادية، وتصبح التسلية والمتعة إدمانا كونها معنى الحياة بالنسبة للأولاد، وبذلك باتت الحرية المطلقة للأولاد في البلدان الصناعية الحديثة هي الحق المطلق بذاته.

تعد الأسرة لَبِنة مهمة في أي مجتمع وسوف ينهار دونها، ولو لم تفهم الإنسانية الحاجة إلى بناء الأسرة منذ فجر التاريخ لما كان هناك مجتمعات قادرة على الحياة والاستمرار وإعمار الكون إلى اليوم ومن المتطلبات الأساسية للإنسان لوجوده وبقائه ولا يمكن أن يتقدم ويزدهر المجتمع من دون هذه القيم الأخلاقية التي هي:

الصدق، الثقة، الاحترام للحياة والممتلكات، الضبط الجنسي للنفس، المساواة والتحرر من القمع والعنصرية.

إن لَبِنة الأسرة هي أفضل محضن تترعرع فيها هذه القيم وتنمو، وهي متأصلة في مكنونات النفس الداخلية وفي طبيعتنا الفطرية ومكنوناتنا.
إن الحرية الراشدة تنتج أولاداً متحضرين ومن ثم مجتمعات مدنية تستطيع الاستمرار في الحياة لأن أفرادها يمتلكون الانضباط، والقيم، والممارسات البيئية السليمة.
لذلك يستوجب المحافظة على القيم الأخلاقية الأساسية أياً كان الثمن، فَيحرُم على الإنسان العبث بحياته وإساءة استعمالها بالإقدام على الانتحار بدعوى الحرية.
ويجب أن نحافظ على القيم الأساسية ثابتة ومحفوظة ولا تتغير، ويحسنُ بنا الحفاظ على نظام الأسرة وحمايته لتجنب التفكك الحاصل في أسر البلدان الصناعية الحديثة.

مقارنة بين القيم الأخلاقية العقدية والقيم الأخلاقية المتلائمة.
تغــذي الأسرة القيــم الأخلاقية الإنسانية مثــل: الحقيقة، والعدالــة، والحـب، والشــجاعة، والصــدق، والمسؤولية.
وتقــوم كل هــذه القيــم علــى مفهــوم العقيــدة؛ إذ إنهــا تســبق القيــم الأخلاقية المتلائمة، وهمــا ليســتا دائمــاً متوافقتين ومتماثلتـيـن، جــراء الاختلاف العقــدي بـيـن النــاس، وعليــه اختــلاف تصوراتهــم لما هــو ملائم مــن القيــم الأخلاقيــة ومــا كان غيــر ذلــك.

ففـــي المنظــور الإسلامي القيــم المتلائمة أو المناســبة هــي التــي تصدقهــا العقيــدة أي التــي يرشــد إليهــا الوحــي باعتبــاره المصــدر الأول للتلقــي فـــيما ينظــم حيــاة الإنسان، لكــن ليســت كل المجتمعــات تديــن بالإسلام، فالتمتــع فـــي الحيــاة فـــي هــذا العالــم هــو غايــة بعــض المجتمعــات، أمــا الغايــة المتوازنــة التــي ينشــدها المسلمون؛ فهــي تحقيــق ســعادة الحيــاة الأبديــة فـــي الآخــرة بالعيــش حيــاة طيبــة فـــي هــذا العالــم، وهــذا يعنــي أن تحقيــق النجــاح فـــي الحيــاة الآخرة لا يتعــارض مــع الحيــاة الهنيئــة الطيبــة فـــي الدنيــا؛ فالنجــاح فـــي ذلــك العالــم لا يكــون بإهمــال هــذا العالــم وتعميره. وليس استمرار هذه الحياة إلا وسيلة لتحقيق الحياة الأبدية.

قال الله تعالى: ﴿ وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ ۖ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ۖ وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ ۖ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ﴾ القصص 77.
نصح رسول الله ﷺ أعرابياً كيف يكون واثقاً بربه فلا يضيع ناقته، وفي الوقت نفسه لا يغفل قوانين العلوم الطبيعية والاجتماعية ولا يكون بمنأى عنها، فقال له: «اعقلها وتوكل». سنن الترمذي. ما يعني: (ابذل وسعك للحفاظ على ناقتك ثم اعتمد على الله).

لذلك لابد للإنسان من الموازنة بين الحياة الدنيا والآخرة على مبدأ اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا واعمل لآخرتك كأنك تموت غداً، لذلك تعد القيم الدينية الخيرة عميقة الجذور ضرورية للمجتمعات والأفراد.

مركز الوقاية الأسرية
نادي سيدات المعرفة
تلخيص رجاء العثمان
كتاب التربية الوالدية رؤية منهجية تطبيقية في التربية الأسرية

شاركنا بتعليق






  • كل الشكر للانسه رجاء العثمان