البيان الختامي لورشة النسوية


نتحدث عن النسوية لأنها موضوع العصر، بحيث نكاد لا نجد شابة لم تتأثر بما يطرحونه من أفكار. والسبب في علو صوت النسويات مقابل خفوت صوت غيرهن، هو حملهن راية الدفاع عن النساء المظلومات. فاختلط صوت المدافعة بحق عن حقوق النساء مع أصوات الباطل التي تدعو المرأة للتمرد على والدها وزوجها وأسرتها .
لقد كان لاختلاط الحق والباطل أثره في عدم قدرة بعض النساء على التمييز بينهما، وانتشرت الاتهامات بالنسوية حتى دخلنا في فوضى فكرية عارمة.

ومن أبرز ما يمكن أن نبينه في هذا المجال ما يلي:

1ـ تعرف النِّسوية نفسها بأنّها: “مجموعة من التصّورات الفكرية والفلسفية التي تسعى لفهم جذور وأسباب التفرقة بين الرجال والنساء وذلك بهدف تحسين أوضاع النساء وزيادة فرصهن في كافة المجالات”.
وأنها علم وفكر ووعي ينفي التفرقة والتمييز بين الرجال والنساء “الفجوة النوعية” ويقترح أفضل السبل للتغلب عليها، ومقاومتها بشتى الوسائل، واهمها مقاومة ما يعرف بـ “الأبوية”.

2ـ بدأت النسوية في الظهور في مطلع القرن السابع عشر في الغرب بهدف رفع الظلم الاجتماعي والديني والسياسي الذي كان يقع على النساء باسم الدين.

3- بدأت بذور النِّسوية تظهر في عالمنا الإسلامي على شكل حركات تحرير المرأة التي قادتها “هدى شعراوي” و”الاتحادات النسائية” في العالم العربي بشكل عام وفي لبنان بشكل خاص. وكانت هذه الحركات تهدف في البداية إلى الدفاع عن حقوق المرأة المحرومة من حقوقها نتيجة الأعراف والتقاليد، وعلى رأسها تعليم القراءة والكتابة وبعض المهن مثل الخياطة والتطريز، بعد ذلك بدأت هذه المطالب تتطور مع تدخل الاستعمار الغربي، حيث ظهرت المناداة بالمساواة بين الجنسين في جميع المجالات. وقد تطوّرت هذه المطالب من المطالبة بالحقوق إلى المطالبة بالمساواة التامة ، فظهرت النِّسوية كفكر يُعتنق وليس جهة أو منظمة تدافع عن حقوق النساء فحسب، واشتهرت بعض النسويات في صفوف النساء، ومن بين هؤلاء “نوال السعداوي” التي لم تخجل بإعلان إلحادها، ومع ذلك أفسح الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي مكاناً لها ولأمثالها، وصوروها كبطلة تدفع الظلم وتدافع عن حقوق المرأة.

4- ازداد انحراف الحركة النسوية ، وتحوّلت قضيتها من المطالبة بتحقيق العدالة التي مثلّتها حركات تحرير المرأة، إلى نقيضها ألا وهي “حركة النسوية” أو “التمركز حول الأنثى”، والتي ترتكز في دعوتها على تحويل العلاقة بين الرجل والمرأة من التكامل إلى التماثل، ومن التعاون إلى الصراع والندية، وقد ازداد هذا الصراع شراسة مع الوقت ليصل إلى درجة اعتبار النسويات أنفسهن أفضل من الرجال ، وتحولن إلى ما يعرف بالنسوية الشاذة ” التي تسيطر اليوم على معظم الفكر النسوي حيث أصبح الشذوذ طريق النسوية للواحدية الأنثوية.

5ـ أبرز مطالب النسويات ثلاثة: الأول: المساواة بين الجنسين في كافة المجالات. والثاني: الحرية المطلقة، والثالث: رفع الظلم عن المرأة .

6ـ بدأت “النسوية المتأسلمة “ تظهر بعد أن تأثرت بعض النسوة بالفكر النسوي الغربي الذي يقدس المرأة، ويدعو إلى اعادة قراءة التاريخ من جديد لأن من كتبه هم الرجال . لذلك طالبت النسويات بإعادة قراءة النص الديني الشرعي والتاريخي من قبل النساء بهدف تخليص هذا التراث من النظرة الدونية للمرأة التي وضعها الرجل حسب زعمهن .

7ـ منهجية النسويات للدفاع عن المرأة المظلومة خاطئة، فهم يبتون ويقطعون فيما فيه سعة، فحلولهم دائماً هجومية. وينتقون من الإسلام ما يساير النسوية الغربية، كما أنهم لا يحاولون إصلاح الواقع بتحكيم الشريعة، بل يريدون إصلاح الوحي بتحكيم الواقع، وهذا دفعهم إلى تأويل النصوص -على طريقة الحداثيين- لتناسب هدفهم، وتقمصوا دور المجتهد.

8ـ تمتلك المرأة من الحقوق مثلها مثل الرجل، بل وأكثر من الرجل في بعض الأحيان، والاختلاف بين المرأة والرجل يعود بالدور الذي حدده الله عز وجل لكل واحد منهما …. من هنا فإن أية مناداة بالمساواة التامة بين المرأة والرجل فيه ظلم للمراة بالدرجة الأولى، لأنه يهدر حقوقها ويحملها فوق طاقتها، مما يخالف طبيعتها وفطرتها، علماً إنّ الكاسب الأكبر من فكرة النسوية هو الرجل، وهذا مشاهد في كثير من الأسر التي يستغل فيها موضوع حرية المرأة من أجل استعباد المرأة داخل المنزل وخارجه.

9ـ من مآلات الخطاب النسوي في مجتمعنا: تنميط بعض الأفكار في الأذهان، كفكرة أنّ المرأة القوية هي التي تعمل وتحمل الشهادات ولا تخضع لزوج ولا لأب، وكوضع الزواج في أسفل الرغبات الأنثوية، والسخرية من الأمومة والتربية واعتبارها مرتبة منخفضة مقارنة بالعمل خارج المنزل، وتكريس مفهوم الضحية، والظلم الناتج عن الهيمنة الذكورية، لتجعلها في حالة تحفز دائم، وكفكرة أنّ أمان المرأة ليس في زواجها، بل في استقلالها مادياً. فإن تزوجت فإن عليها وضع حدود جديدة لعلاقتها مع زوجها بحيث كل ما لا يخضع لرغبتها فهو تعدي واغتصاب، وتهميش لدوره وأنه يسعى إلى تدميرها بتسلطه.

10ـ التمييز بين الخطاب الشرعي والخطاب النسوي يكون عن طريق تحكيم العلماء الثقاة المشهود لهم بالصلاح والعلم، مع وجوب الحذر من دعاة التجديد ونقد النصوص وعصرنة الخطاب، وإرجاع كل كلام في هذا المجال إلى ميزان دقيق وهو فهم الفقهاء واللغويين الذين يعتبرون حجة في هذا المجال، هذا مع عدم إقفال باب الاجتهاد شرط أن يملك المجتهد أدوات الاجتهاد كاملة .

11ـ مواجهة الخطاب النسوي يحتاج إلى أكفاء يمتلكون العلم الشرعي المؤصّل إضافة إلى الأسلوب الجذاب الحكيم. ويجب ألا تقتصر المواجهة على الرد على ما يثيرونه بشكل جزئي، بل بأخذ زمام المبادرة بطرح قضايا المرأة ضمن منظومة الحقوق والواجبات الشرعية التي تقوم على العدل، فصاحب الطرح الأول أقوى من المدافع.

12ـ إنّ رفع الظلم عن المرأة مطلب شرعي، قبل أن يكون مطلباً نسوياً، وواجب على كل مسلم ومسلمة متخصص في هذا المجال تبيان هذه الحقوق، واصلاح الخلل الذي سمح لهذه النسويات بالتأثير على نسائنا، ومن بين هذا الخلل، بعض القوانين الشرعية والمدنية التي يمكن الاجتهاد بها وتصحيح الخطأ الذي وقع على المرأة بسببها.

إعداد:

ملتقى خريجات الشريعة ـ مجمع سلطان العلماء

شاركنا بتعليق






لا يوجد تعليقات بعد