تصحيح النظرة للمطلق والمطلقة


إن الذي شرع الزواج ورغب فيه هو الذي شرع الطلاق، وله حكمة من ورائه، فالعلاقة الزوجية مبناها على الود والرحمة والسكن، وليست غلاً على الرقاب، أو قيداً لا يمكن الفرار منه.

فالزواج مشروع، والطلاق أيضاً، لكن الزواج بناء والطلاق هدم، والبناء إذا تصدع فيمكن علاجه والمحاولة في إصلاحه، وأما إذا انقطعت السبل في إصلاحه، وتعسر السعي في تماسكه فحينئذ وجب هدمه، حتى لا يسقط على رؤوس من فيه، ثم يمكن إعادة البناء مرة أخرى، وربما كان البناء الجديد أفضل وأمتن، وأوسع بركة من البناء القديم، وتلك هي نظرة الإسلام إلى قضية الطلاق والفراق بين الزوجين.

وقد جاء في القرآن الكريم وعدٌ من الله بسعة الأرزاق عند الزواج وكذلك عند الطلاق، فقال تعالى: (وَأَنكِحُواْ ٱلْأَيَٰمَىٰ مِنكُمْ وَٱلصَّٰلِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَآئِكُمْ إِن يَكُونُواْ فُقَرَآءَ يُغْنِهِمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِۦ وَٱللَّهُ وَٰسِعٌ عَلِيمٌ) النور (32). وقال تعالى: (وَإِن يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِّن سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا) النساء (130).

فالغنى والرزق مذكوران بعد الزواج والطلاق، وفي هذا تأكيد على سعة رحمة الله بعباده.

فالطلاق لم يشرع للعبث بالأسرة، بل شرع متوافقاً مع الفطرة، ومنسجماً مع طبيعة النفس البشرية حينما تستحيل المعيشة بين الزوجين، فيعطيهم الفرصة لاستئناف الحياة من جديد مع شريك آخر يكون عونا على طاعة الله وأعباء الحياة.

ورد عن عروة عن عائشة رضي الله عنها أن ابنة الجون لما أُدخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودنا منها، قالت: أعوذ بالله منك، فقال لها: “لقد عذت بعظيم، الحقي بأهلك”. البخاري

وبهذا ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قد طلق، وكذلك كثير من الصحابة تزوجوا وطلقوا، وحينما جعل الطلاق أبغض الحلال إلى الله، فذلك إذا كان بغير سبب مشروع، أو عبثاُ بلا هدف أو غاية.

إن النظرة المظلمة من المجتمع للطلاق تُعد من رواسب الجاهلية، ومن عدوى المجتمعات الغربية، التي لم تفهم الحكمة من وراء الطلاق، فكانت النتيجة هي الإباحية على أشدها، وفتح أبواب الفجور كلها على مصراعيها، حتى أصبح المتزوج أشبه بالمحكوم عليه بالحكم المؤبد مدى الحياة، فأصبح يتخذ له خليلات وصديقات في الحرام، وكذلك سلكت زوجته نفس المسلك، فأصبح لها مع زوجها عشاق وأصدقاء، والعجب من الذين يريدون الانتكاسة إلى هذا الحضيض المؤسف بعدما رفعهم الإسلام بقيمه العالية إلى أعلى مراتب السمو في السلوك البشري والحياة الإنسانية الكريمة.

إن ديننا الكريم وضع في أيدينا مفاتيح السعادة، ولم يتركنا فقراء في ميدان الحقيقة، نتسول الأفكار والمناهج من الشرق والغرب، بل وضع أقدامنا على سبيل النجاة، وأخذ بأيدينا إلى مراتب الكمال بهذا المنهج الفطري السوي. والحمد لله الذي هدانا لهذا، وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله.

 

مركز الوقاية الأسرية

منتدى سلطان العلماء

من كتاب الحلول الشرعية لمشكلات الزوجية

لخالد عبد العليم متولي

شاركنا بتعليق






  • صحيح..بارك الله بكم وبجهودكم أستاذ أحمد. إن المجتمع لبعد البعض فيهم عن الإسلام لم يفهموا الحكمة من الطلاق،بل يظلمون المطلقة بكلامهم كثيراً من دون النظر للحكمة من ذلك الطلاق،وكل طلاق وله أسبابه.