الحوار المخملي


الناس صناديق مغلقة ومفاتيحها ألسنتها كما قال العرب قديما: “تكلموا تعرفوا” نحن حين نتحدث او نتحاور نعبر عن المفاهيم والمشاعر والقيم والاخلاق التي تكون ذواتنا.
الحوار المخملي يقصد به الحوار القائم على الأناقة واللطف والتهذيب الذي ينبغي أن يسود بين افراد الأسرة وهو حوار نراعي فيه مشاعر المتحاورين وردود أفعالهم.
يرتكز الحوار المخملي على ركيزتين أساسيتين هما: 1. المشاعر التأنق في التعبير.2

أولا: المشاعر:

الذي يحاور حوارا مخمليا يحرص على فهم ما يحرك مشاعر الذي يحاوره فهناك كلام يبعث على السرور وكلام يثير الاهتمام وثالث يثير الشك والغضب، فلنطرح مثالا كي تتوضح الفكرة أكثر، هذه فتاة في الثامنة عشرة من العمر تقدم شاب لخطبتها وأهلها قد رفضوا لكن الفتاة أصرت عليه وحاولت إقناع والدتها به وتمت الخطبة وعقد القران وبعد شهر من تعرف الفتاة على الشاب وبعد سهر ليلة كاملة من الهم والخوف والتفكير قررت عدم المضي في مشروع الزواج وجلست إلى أمها تتحدث معها بذلك والدموع تملأ عينيها، الأم المتشربة لروح الحوار المخملي أدركت أن هذه اللحظة ليست لحظة عتاب على القرار الأول والثاني ولا لحظة بحث عن الأسباب وإنما هي لحظة تعاطف ومساندة ومواساة فضمتها إلى صدرها ومسحت دموعها وقالت لا بأس يا بنية سيتقدم إليك الرجل الذي تستحقينه.

إن مراعاة المشاعر تتطلب فهم البعد العاطفي في الموقف الحواري، مراعاة مشاعر من يحاورنا تتطلب أن نكون كرماء في التفاعل معه لأن ذلك يشجعه على الكلام ويجعله يشعر بالثقة تجاه أفكاره التي يقدمها وهذا الكرم يتجلى في إشعارنا له بأننا متابعون له بدقة وحين نسمع منه شيئا جيدا فإننا نثني عليه.

التواصل البصري بين المتحاورين مهم جدا وقد قيل قديما: “العينان مغرفتا الكلام”.

المربي المتشبع بأدب الحوار المخملي يقلل من المواعظ والتوجيهات الى الحد الأدنى مراعاة لمشاعر الشريك (زوج أو زوجة) والأبناء وعوضا عن ذلك يتحدث عن تجاربه الشخصية وتجارب غيره ويوفر أولا المناسبة والسياق لذلك ويتحين الفرصة لحث الأبناء على اهتمامهم بوقتهم وغيرها من المواعظ والتوجيهات.
من المهم إضفاء المرح على جلسات الحوار ولقاءات الأسرة والمحادثات الثنائية بين الأبوين وبينهما وبين الأولاد وبين الأولاد بعضهم مع بعض لأن المرح هو قوت الروح ولذا لا يمكن للحوار ان يكون مخمليا من غير شيء من المرح في إطار التوازن والاعتدال.

في الحوار المخملي يكون هناك حرص من الجميع على عدم إيقاع أي فرد من أفراد الأسرة في الحرج فالموقف موقف تواصل وتعميق للمشاعر الأسرية النبيلة وليس موقف عقاب ولا انتقام أو تشهير.
الخوض في التفاصيل الدقيقة في الحوار حول أي موضوع كثيرا ما يسبب الحرج لبعض الحاضرين لهذا كان التغافل هنا سيد الموقف، فالصغار والكبار يرفضون نقد الذات وينظرون الى نقد الفعل على أنه أسهل ويمكن هضمه.

ثانيا: التأنق في التعبير:

يعتمد الحوار المخملي على التأنق في التعبير بوصفه العمود الفقري له، لأن المرء من خلاله يستطيع أن يناقش أعقد القضايا ويطرق إلى أكثر المواضيع حساسية دون أن يؤذي أحداً او يسيء إلى أحد كما أن جمال التعبير وعفته ورمزيته أدب قرآني ونبوي أيضاً ومثال ذلك قوله تعالى: {أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم هن لباس لكم وأنتم لباس لهن}.

في الحوار المخملي يحاول صاحب التعبير الأنيق أن يستخدم الكثير من الملاطفات ويكون سخياً في الكلمات التي تفيد الاستدراك وتشتت ضغط النقد والملاحظات المباشرة كما أنه يثري اللغة الاعتذارية لديه حتى لا يكون جو الحوار منفراً وكئيباً.

من كتاب: التواصل الأسري، للدكتور عبد الكريم بكار

تلخيص: أمون بكور

شاركنا بتعليق






لا يوجد تعليقات بعد