على مسار الدعوة


نحن ندعو ربنا في كل صلاة أن يهدينا الصراط المستقيم، والصراط المستقيم ليس خطاً وهمياً ينشأ عن هوى الأفراد والجماعات، وإنما هو حقيقي يرسمه من الناحية العلمية: القرآن الكريم، ومن الناحية العملية: الرسول ﷺ الذي حمل الوحي وطبقه وربى جيلاً من الناس على عقائده وشرائعه، والتاريخ الإنساني يشهد بقوة ووضوح أن قافلة الإسلام لزمت هذا الصراط حيناً من الدهر، وأنها قدمت للعالم نماذج حية في بناء الخلق والمجتمع والدولة..

نعم.. كان السلف الأول عابدين لله، ذوي بصائر ترنو إليه وتستمد منه، وتنضح بالتقوى والأدب في كل عمر يباشرونه. وكانوا ـ إلى ذلك ـ خبراء بالحياة يسوسونها بالعدل والرحمة، ويقمعون غرائز التطلع والحيف، ويرفضون ما سبق الإسلام في ميدان الحكم من فرعونية وكسروية وقيصرية، كما يرفضون ما سبق الإسلام في ميدان التدين من شرك أو تجسيد أو تعطيل..

إن الصراط المستقيم ليس وقوف فرد فى المحراب لعبادة الله وكفى، إنه جهاد عام لإقامة إنسانية توقر الله، وتمشي فى القارات كلها وفق هداه، وتتعاون فى السراء والضراء حتى لا يذل مظلوم، أو يشقى محروم، أو يعيث في الأرض مترف، أو يعبث بالحقوق مغرور، وقد وقعت خلال القرون الطويلة انحرافات دقيقة أو جليلة! وقبل أن نتفرس فى هذه الانحرافات ونتحدث عن مداها نريد أن نقرر حقيقة مهمة: إن السلف الأول وحدهم هم مصدر الأسوة، ويعجبني ما روي عن ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ: “من كان مستنا فليستن بمن قد مات، فإن الحي لا تؤمن عليه الفتنة!”.

أولئك أصحاب محمد ﷺ كانوا أفضل هذه الأمة، أبرها قلوباً وأعمقها علماً وأقلها تكلفاً اختارهم الله تعالى لصحبة نبيه، ولإقامة دينه، فاعرفوا لهم فضلهم واتبعوهم على أثرهم وتمسكوا بما استطعتم من أخلاقهم وسيرهم فإنهم كانوا على الهدى المستقيم”. إن بعض الذين ضاقوا بالانحرافات المعاصرة فى العالم الإسلامي فكروا في العودة إلى الأمس القريب، أو إلى بضعة قرون مضت! فقلت لهم: لا.

مثلنا الأعلى فى القرن الأول وحده، ففي الحديث عن رسول الله ﷺ “إنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافاً كثيراً، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين تمسكوا بها، وعضوا عليها بالنواجذ” والاقتداء بداهة ليس فى ركوب الخيل والإبل، والحرب بالسيف والرمح! الاقتداء في التجرد والخشية وإيثار الآخرة!! أما تأمين الحقيقة فقد استحدثت له وسائل مدنية وعسكرية لا حصر لها، ويجب على حملة الرسالة إتقان هذه الوسائل.. وقد بين أولو العلم ما يجب التزامه شكلاً وموضوعاً من شؤون العبادات المحضة أما غيرها فنسق آخر.. العدل هو العدل، ولكن ضمانات وصوله إلى ناشديه تكثر وتتغاير على مر العصور، وقد قيل: تحدث للناس أقضية بقدر ما استحدثوا من فجور.. والشورى هي الشورى بيد أن ضمانات التعبير عن الرأي وضمانات الوقوف أمام الاستبداد تختلف باختلاف البيئات والملل..

وفى عصرنا هذا قامت أجهزة للدعاية تخدم شتى الملل والنحل بأساليب فاتنة، فإذا لم نسبقها نُسبق، ظلمنا ديننا، وأضعنا حقنا، وكان علينا وزر المفرطين. الصراط المستقيم إذن معروف بالعقل والنقل فلماذا يقع الانحراف عنه؟ والجواب: طبيعة البشر! إننا نخطئ وليس فى ذلك عجب! ولكن العجب أن يبقى الخطأ وأن نصر عليه!

بقلم الشيخ: محمد الغزالي
من كتاب هموم داعية

شاركنا بتعليق






  • شكران الكم

  • اللهم إهدنا الصراط المستقيم
    جزاكم الله عنا كل خير

  • كلام من ذهب
    الله يجزيكم الخير يارب