القناعة في الأسرة المسلمة


“القناعة” كنز لا يفنى، ومفتاح عظيم من مفاتيح السعادة، بل هي الركن الأقوى للحصول على السعادة، فلا تنظر الزوجة إلى مَنْ مَنَّ الله عز وجل عليهم من أموال وعمارات ووجاهات، فهذه أرزاق قسمها الله بين خلقه وعباده، بحكمته وعدله سبحانه وتعالى؛ لذلك يأمرنا النبي صلى الله عليه وسلم حتى لا نشعر بشيء من الهم والحزن أن ننظر في أمر الدين إلى من هو أعلى منا؛ ففي الحديث: (انظُرُوا إِلَى مَنْ هو أَسفَل مِنْكُمْ وَلا تَنْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ فَوقَكُم؛ فهُوَ أَجْدَرُ أَن لا تَزْدَرُوا نعمةَ اللَّه عَلَيْكُمْ) متفق عليه.

ولذلك قالَ اللهُ تعالى: {وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى} [طه: 131]، وإذا أَعْرَضَ عن التأمُّلِ في أحْوالِ أهْلِ الدُّنْيا وما وُسِّعَ عليهم، هانَ عليه ما هَمَّهُ واسْتَكْثَرَ ما أُوتِيَ، وإذا نَظَرَ بعَيْنِ الحَقيقةِ، فالمُكْثِرُ ليس معه إلَّا هَمُّ الإكْثارِ وحِفْظِ المالِ، والدُّنْيا سَريعةُ الزَّوالِ، وإذا تحوَّلَ المالُ وضاعَ، فإنَّهم لا يُغْبَطونَ على ذلك، بل إنَّهم يُرْحَمونَ ويُرْثَى لهم.
فالزوجة الصالحة عليها بالرضا لتشعر بالسعادة، فالرضا يذهب الهموم والأحزان والآلام، بل ويوسع العيش إن كان العيش ضيقاً، ويوسع البيت إن كان البيت ضيقاً.

وليس المقصود المعنى المادي، وإنما المعنى المعنوي، فالسعة والضيق لا تكون في المكان، وإنما تكون في الصدور، فإذا شعرت الزوجة بالرضا وبالطمأنينة ورضيت بما قسم الله عز وجل لها، عاشت وزوجها في سعادة، وشعر الزوج هو الآخر بسعادة غامرة مع زوجة راضية رضية، تقبل أي شيء، ولا تدفعه دفعاً إلى الحرام من أجل أن يأتي لها بكل ما تحتاج إليه من رغبات ولو كانت هذه الرغبات خارجة على قدراته وطاقاته.
كم من زوجة تدفع زوجها إلى الحرام من أجل أن يوفر لها المال ليأتي لها بكماليات قد لا تحتاج إليها؟ وكم من زوجة تحول بين زوجها وبين الحرام برضاها وقناعتها وبغضها للحرام! وتقول له: يا أبا فلان! اتق الله فينا، لا تدخل علينا الحرام أبداً، فإن الحرام يدخل إلى الحلال ليبعثره، ولو كان قليلاً.

كيف نكتسب القناعة؟
هذه القناعة يمكن اكتسابها بأمور منها:
1ـ الرضا بقضاء الله وقدره والتسليم لأمره واليقين بأنه المعطي المانع، وأن تدبيره للإنسان أفضل من تدبير الإنسان لنفسه.
2ـ التدرب على اكتساب هذا الخلُق؛ ولو بتكلفه وتصنعه في البداية حتى يصير سجية وصفة أصلية في الشخص، وفي الحديث: (مَنْ يَسْتَعْفِفْ يُعِفَّهُ اللَّهُ، وَمَنْ يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ اللَّهُ، وَمَنْ يَتَصَبَّرْ يُصَبِّرْهُ اللَّهُ، وَمَا أُعْطِيَ أَحَدٌ عَطَاءً خَيْرًا وَأَوْسَعَ مِنْ الصَّبْرِ )؛ رواه البخاري.
3ـ أن يعلم أن القناعة مصدر عظيم للقوة، والإنسان يحب أن يكون قوياً، ولا يكون قوياً إلا إذا كان قنوعاً، ولا يذل الإنسان مثل الطمع.
4ـ أن ينظر المرء في أمور الدنيا لمن هو دونه؛ ليرى فضل الله عليه فيقنع به ولا يزدريه، ففي الحديث : ” انظروا إلى من أسفل منكم، ولا تنظروا إلى من هو فوقكم، فهو أجدر أن لا تزدروا نعمة الله عليكم ” (رواه مسلم).
5ـ دعاء الإنسان ربه أن يرزقه القناعة ويجنبه الشح والطمع؛ ففي الحديث: “اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع، ومن قلب لا يخشع، ومن نفس لا تشبع، ومن دعوة لا يستجاب لها “؛ (رواه مسلم).

بقلم: أ. حمزة جمعة الفرج

شاركنا بتعليق






لا يوجد تعليقات بعد