التوافق الزوجي


الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه واستن بسنته إلى يوم الدين، ثم أما بعد، سنبدأ مقال هذا الأسبوع، بقصة وردت عن القاضي شريح وزوجته، يحكيها الشعبي

قال: لقيني شريح، فقال لي: يا شعبي عليك بنساء بني تميم، فإني رأيت لهن عقولاً، فقلت وما رأيت من عقولهن؟

قال: أقبلت من جنازة وقت الظهر، فمررت بدورهن وإذا أنا بعجوز على باب دار وإلى جانبها جارية كأحسن ما رأيت من الجواري، فعدلت إليها، واستسقيت، فقالت لي: أي الشراب أحب إليك؟ قلت: ما تيسر.
فقالت: ويحك يا جارية ائتيه بلبن، فإني أظن الرجل غريباً.

فقلت للعجوز: ومن تكون هذه الجارية منك؟ قالت: هي زينب بنت جرير إحدى نساء بني حنظلة.
قلت: هي فارغة أم مشغولة؟ قالت: بل فارغة.

قلت أتزوجينيها؟ قالت: إن كنت كفأ ولم تقل كفوا، وهي بلغة بني تميم.

فتركتها ومضيت إلى منزلي لأقيل فيه، فامتنعت مني القائلة، فلما صليت الظهر أخذت بيد إخواني من العرب الأشراف علقمة والمسيب، ومضيت أريد عمها، فاستقبلنا وقال: ما شأنك أبا أمية؟ قلت: زينب ابنة أخيك، قال: ما بها عنك رغبة، وما بك عنها من نقص، قلت: فزوجنيها.

فلما صارت في حبالي ندمت وقلت أي شيء صنعت بنساء بني تميم، وذكرت غلظ قلوبهن، فقلت أطلقها، ثم قلت: لا، ولكن أدخل بها، فإن رأيت ما أحب وإلا كان ذلك.
فلو شهدتني يا شعبي وقد أقبلت نساؤها بهدينها حتى أدخلت علي، فقلت: إن من السنة إذا دخلت المرأة على زوجها أن يقوم ويصلي ركعتين، ويسأل الله تعالى من خيرها ويتعوذ من شرها، فتوضأت، فإذا هي تتوضأ بوضوئي، وصليت فإذا هي تصلي بصلاتي.

فلما خلا البيت دنوت منها، فمددت يدي إلى ناصيتها، فقالت على رسلك أبا أمية، ثم قالت: الحمد لله أحمده وأستعينه، وأصلي على محمد وآله، أما بعد، فإني امرأة غريبة لا علم لي بأخلاقك فبين لي ما تحب فآتيه، وما تكره فأجتنبه، فإنه قد كان لك منكح في قومك ولي في قومي مثل ذلك، ولكن إذا قضى الله أمراً كان مفعولاً، وقد ملكت، فاصنع ما أمرك الله تعالى به، إما إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان، أقول قولي هذا واستغفر الله العظيم لي ولك ولجميع المسلمين.

قال: فأحوجتني والله يا شعبي إلى الخطبة في ذلك الموضع، فقلت: الحمد لله أحمده وأستعينه، وأصلي على محمد وآله أما بعد، فإنك قلت كلاماً إن ثبت عليه يكن ذلك حظاً لي، وإن تدعيه يكن حجة عليك، أحب كذا وأكره كذا، وما رأيت من حسنة فابثثيها، وما رأيت من سيئة فاستريها، فقالت: كيف محبتك لزيارة الأهل؟ قلت: ما أحب أن يملني أصهاري.
قالت: فمن تحب من جيرانك يدخل دارك آذن له، ومن تكرهه أكرهه؟ قلت: بنو فلان قوم صالحون، وبنو فلان قوم سوء.
قال: فبت معها يا شعبي بأنعم ليلة، ومكثت معي حولاً لا أرى منها إلا ما أحب.

فلما كان رأس الحول جئت من مجلس القضاء، وإذا أنا بعجوز في الدار تأمر وتنهى. قلت: من هذه؟ قالوا فلانة أم حليلتك، قلت: مرحباً وأهلا وسهلا.
فلما جلست أقبلت العجوز، فقالت: السلام عليك يا أبا أمية، فقلت وعليك السلام ومرحباً بك وأهلا، قالت: كيف رأيت زوجتك؟ قلت: خير زوجة وأوفق قرينة، لقد أدبت فأحسنت الأدب، وريضت فأحسنت الرياضة، فجزاك الله خيراً.

قال شريح فلبثت معي عشرين سنة وما عبت عليها في تلك السنين إلا يوماً واحداً كنت لها ظالماً أيضاً.

الناظر لهذه القصة والمتأمل فيها يرى فيها من الرقي والجمال ما يعجز اللسان عن وصفه، فأن يعيش الزوج عشرون عاماً لا يرى من زوجته ما يسوؤه، هذا هو التوافق الزوجي الذي نطمح إليه أن تكون بيوت المسلمين عامرة به، بغض النظر عن صحة نسبة هذه القصة، لكن يهمنا منها العبرة والفائدة، فالتوافق الزوجي لا يأت من فراغ، سنتحدث في مقالات لاحقة عن بعض من أهم الأمور التي تؤثر في التوافق بين الزوجين وجعل الحياة أكثر انسجاماً، فالحياة المنسجمة بين الزوجين تتجاوز آثارها الزوجين أنفسهما إلى أولادهم فتنتج جيلاً من الأولاد سليم نفسياً وجسدياً، جيل قوي متماسك.
ونختار تعريفاً للتوافق الزوجي هو: شعور الطرفين بالانسجام والانتماء العاطفي والمودة والمحبة والرحمة المتبادلة لكلاهما والشعور بالرضا والسعادة والاتفاق في حياتهم الزوجية والقدرة على التعامل الناجح مع مشكلات الحياة الزواجية.

وللتوافق الزوجي كما يذكر علماء النفس أنواع، فمنه النفسي والأخلاقي والعمري والشأني..
وله جوانب متعددة أيضاً، وعوامل تؤثر فيه، وتقويه، لعلنا في المقالات القادمة نتطرق إليها، والحمد لله رب العالمين.

إعداد: مركز الوقاية الأسرية

يُنظر:
1ـ الموقع الالكتروني: ويكبيديا، توافق زواجي.
2ـ الموقع الالكتروني: إسلام ويب، مقال: حدث في ليلة الزفاف.

 

شاركنا بتعليق






  • جزاكم الله خيرًا