الرحمة بين الزوجين


إن ملاك الحياة الزوجية عند حدوث الأمراض والأدواء الرحمة التي هي ضرب من ضروب وجدان النفس ولو لم تكن الرحمة هي قوام معيشة الزوجان لكانت الحياة الزوجية نعيما في الشباب بؤسا في الشيخوخة. وسعادة في السراء وشقاوة في الضراء.

يتمتع حينها كل من الزوجين بصحة الآخر ونشاطه وبسطته حتى إذا لسعت أحدهما حمة الضر أو عضته نابة الفقر انقلبت مودته إلى مقاطعة له. وإذا كانت مسألة الزواج هي أعظم مسائل مستقبل الإنسان الخاصة أفلا يكون من أعظم الشقاء أن يبدأ أمر الزوجين بالسكون والود في السراء وينتهي في الضراء ولا تحسبن هؤلاء الذين يملون أزواجهم عند السقم والهرم فلا يرحمون لهن ضعفا واللواتي يمللن أزواجهن في الكبر أو الفقر فلا يحفظن لهم عهدا.

بلى قد سلمت لهم فطرة هذا النوع الكريم الذي خلقه الله في أحسن تقويم، ولا شيء يعزي الإنسان عن مصابه في نفسه وغيره مثل المرأة للرجل والرجل للمرأة إذ أظهرت عاطفة الرحمة في أكمل مظاهرها فشعر المصاب بأن له نفسا أخرى تمنحه القوة على مدافعة هذه العوارض التي لا يسلم منها البشر.
فطر الله تعالى قلوب البشر على الرحمة وجعل سبحانه حظ الوالدين والزوجين من الرحمة أرجح ليعنى كل فرد من الناس بأقرب الناس منه عند شدة الحاجة إلى العناية والكفالة، فالزوج لزوجه عند الضعف في المرض أو الكبر كالوالدين لولدهما عند ضعفه في الصغر بل تجد المرأة أرحم ببعلها في مرضه أو كبره من أمه لو وجدت، وتجد الرجل أرحم بسكنه في مرضها أو كبرها من أبيها لو وجد وهذا يكون إن كانت الفطرة سليمة.

وفي نهاية المقال:
أنهاك أيها المعزابة (أي: الذي طالت عزوبته) أن تسارع إلى الزواج مهما تمادت بك العزوبة إلا بعد حسن الاختيار، وأنهاكِ أيتها الأيم وأولياءكِ أن تجيبوا خاطبًا إلا بعد التروي في الاختيار، وأعظكما إذا أنتما تزوجتما فلم تجدا ذلك السكون النفسي كاملاً، وذلك الودّ الطبيعي مواصلاً، أن يتحبب كل منكما ويتودد إلى الآخر ما استطاع ويجعل أكبر همه في هبته واستيهابه قلبه لتحسن الحال، ويرجى حسن العاقبة في المآل، فإن عجزا عن ذلك بعد الإخلاص في طلبه والجد في إدراكه، فليتفرقا يغن الله كلا من سعته، وكان الله عليمًا حكيمًا.

كتاب الحياة الزوجية لرشيد رضا
مركز الوقاية الأسرية
تلخيص رجاء عثمان

شاركنا بتعليق






لا يوجد تعليقات بعد