النفاق المجتمعي (الكيل بمكيالين ازدواجية المعايير )


ترددت كثيراً قبل كتابة هذه الكلمات كي لا يظن أحد أني أقصده بعينه
لكن كثرت المواقف والحالات التي جرت وتجري في مجتمعنا

وقلت في نفسي لا بد من تشخيص المرض الذي أصابنا وتغلغل فينا وأصبح سمة بارزة لدى كثير من الناس!
هو في الأصل مفهوم سياسي يتضمن مجموعة من المبادئ وضعت لتناسب مصالح دول معينة لتنتهك به العدالة والمساواة أمام القانون.
لكن سرعان ما تفشى هذا البلاء في مجتمعنا المسلم حتى يكاد لا يخلو منه أي بيت أو مؤسسة مجتمعية وفي الأصل هما منشئ العدالة والمساواة الإلهية.
الكيل بمكيالين هو معاملة من نحبهم ونميل اليهم بطريقة تتناسب مع عواطفنا وتوجهنا وفكرنا، ومعاملة من نميل عنهم بطرق أخرى لا تمت للعدل او الحكمة بصلة .
فذاك المدير الذي يعامل موظفيه بمكيالين وثلاثة وأربعة، يحمل بعضهم مشقات ومهام يصعب حملها ويطالبه بالمثالية والإنجاز ويقف له عند أي خطأ، ويهدده بفصله أو حرمانه من بعض المستحقات من أجل تحقيق نوازعه الداخلية.

ويعامل غيره إن كان من طرف (فلان) أو قريبه أو ابنه بمبدأ (الفرفور ذنبه مغفور!)
وتلك الأم أو ذاك الأب الذين يكيلون بأكثر من مكيال ما بين كنتهم وابنتهم؛ إذا حدث نفس الموقف ما بينهما غفر ذنب البنت واستحقت الكنة العقاب!!
يذكر الشيخ محمد راتب النابلسي حفظه الله؛ أن هناك امرأة زوج ابنتها جلب غسالة من أفضل الأنواع فدعت له وأثنت عليه بشكل غير طبيعي، وفي اليوم نفسه ابنها اشترى لزوجته نفس الغسالة فغضبت على ابنها وقالت له زوجتك جالسة متل القردة!!

الذي يكيل بمكيالين يسقط من عين الله، ولأن تسقط من السماء إلى الأرض أهون من أن تسقط من عين الله.
وذاك الزوج الذي يعامل زوجته بأساليب يعجز عن وصفها، وإذا مسَّ ابنتَه أو أخته أو أمه أو من يخصه سُوءُ تعاملٍ من أزواجهم ناظرَ وجادل وناقش في التربية والأدب والسلوك.
وتلك الزوجة التي لا تقيم للقوامة مقاما ولا تعطي لما أمرت به عنوانا تنشز وتخالف ما يطلبه زوجها؛ لأنه خالف رغبتها وتطلعاتها فتسيئ وتنقلب بل وقد تدمر بيتها وتقطع الميثاق الذي وصفه الله في كتابه الكريم بالغليظ على أن تأتمر بأمر زوجها! وإنْ حدثت مواقف مشابهة مع أخيها أو ابنها أو من يَخُصها انحازت ودرَّست ووعظت بواجبات الزوجة تجاه زوجها!

وأولئك المعارضون لمشرب أو فكر معين عندما يرون داعية أو شيخاً انتقد منكراً ظاهراً، أو أخطاء بعينها وأشار الى إصلاحها وذكر أسماء أشخاص أو مؤسسات قامت بها، رموه وقذفوه ونظَّروا عليه بآيات وأحاديث، تخالف المنهج الذي اتبعه بالدعوة والصلاح وهم يقيناً لا يقصدون الاقتداء أو التأسي بالمنهج النبوي بل بث الفرقة والظهور على غيرهم وأنهم هم أصحاب الصراط المستقيم !
كل هذا جائز عند انقلاب الموازين ويدخل تحت باب التحذير من الأخطاء وحرية الكلام !
والأمثلة والشواهد تطول ولا يسع ذكرها فيكفي اللبيبَ إشارة.

اختلت الموازين في مجتمعنا وانقلبت القيم وتغيرت المفاهيم وعندما يختل ميزان القسط والعدل بين الناس يكتسي المجتمع وحتى النفوس؛ رداء الجور والظلم فعندها لا تسأل عن العدل في الأقوال فضلا عن الأفعال.
الكيل بمكيالين والوزن بميزانين هو من التطفيف الذي نهى الله عنه في كتابه الكريم: (ويل للمطففين)، ونهى عنه الرسول صلى الله عليه وسلم؛ ففي الحديث الشريف غضب النبي صلى الله عليه وسلم عندما تشفَّع لديه أحد أصحابه في امرأة سرقت فقال: والذي نفس محمد بيده لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها، إن مما أهلك من كان قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الضعيف قطعوه، وإذا سرق فيهم الشريف تركوه”.

فأين نحن من منهج النبوة الذي أمرنا باتباعه بكافة الأمور الحياتية وتمسكنا به هو سبيل عزنا ونصرنا وتخلفنا عنه هو ذلنا وهواننا كما هو حالنا الآن
أي حال نعيش به الآن أيها الناس؟
أختم بقوله تعالى: (وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ ۖ وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ۚ ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)، والعدل هو الإنصاف.

بقلم: محمد البدوي

شاركنا بتعليق






لا يوجد تعليقات بعد