لماذا الحلم سيد الأخلاق


تقول العرب “الحلم سيد الأخلاق” وهو كذلك بالفعل كونه يتطلب ضبطاً للنفس وكبتاً للغضب ورد السيئة بالحسنة وكل هذا من شخص قادر على الانتقام وأخذ حقه بسهولة.
يقول أبو حامد الغزالي “الحليم هو من لا يستفزه غضب، ولا يعتريه غيظ ولا انتقام مع غاية الاقتدار”. وقيل لقيس بن عاصم: ما الحلم؟ قال: أن تصل من قطعك، وتعطي من حرمك، وتعفو عمن ظلمك.
والحلم من صفات المؤمنين الصادقين: (الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ ۗ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) آل عمران (134).

وجاء عن أنس بن مالك: كنت أمشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه بُردٌ نجراني غليظ فلحقه أعرابي فجذبه بردائه جذبة شديدة، حتى نظرت إلى صفحة عاتق رسول الله قد أثرت بها حاشية البرد من شدة جذبته، ثم قال: يا محمد، مُرْ لي من مال الله الذي عندك فإنك لا تحمل لي من مالك ولا من مال أبيك فالتفتَ إليه رسول الله باسما وأمر له بعطاء.
وجاء في كتب التراث أن رجلاً كان يسبّ الأحنف بن قيس في الطريق حتى اقتربا من بيته فتوقف الأحنف وقال: يا هذا إن كان بقي معك شيءٌ فقله هنا؛ فإني أخاف إن سمعك فتياني أن يؤذوك.
وشتم رجل عمر بن عبد العزيز وهو خليفة فقال له عمر: إنما أردت أن يستفزني الشيطان بعزة السلطان فانصرف غفر الله لك.
أما قصتي المفضلة في الحلم، فجرت بين معاوية بن أبي سفيان الذي كان يملك ضيعة في المدينة بجواره ضيعة عبد الله بن الزبير، وبالإضافة إلى الخلاف الذي كان بينهما رضي الله عنهما دخل عبيد معاوية إلى مزرعة ابن الزبير واعتدوا على من فيها وعاثوا فيها فساداً؛ فما كان من ابن الزبير إلا أن كتب خطاباً إلى معاوية قال فيه: من عبد الله بن الزبير إلى معاوية ابن هند آكلة الأكباد… اكفف يد عبيدك عن مزرعتي وإلا كان بيني وبينك شأن عظيم، وصلت الرسالة إلى معاوية وهو الخليفة بدمشق فقرأها وأعطاها لابنه يسأله الرأي فيها، فقل يزيد: أرى أن ترسل له جيشاً أوله في المدينة وآخره في دمشق يأتونك برأسه… ولكن معاوية التفت إلى كاتبه وقال أكتب:
من معاوية بن أبي سفيان إلى عبد الله ابن ذات النطاقين وحواري رسول الله صلى الله عليه وسلم أما بعد: فإن الدنيا هينة تجاه رضاك فإذا وصلتك رسالتي هذه فضم أرضي إلى أرضك وعبيدي إلى عبيدك ولو كانت مزرعتي من المدينة إلى دمشق لدفعتها إليك.. والسلام.

وصلت الرسالة إلى ابن الزبير فبكى ورد عليه:
إلى أمير المؤمنين معاوية بن أبي سفيان؛ بارك الله في أرضك ومالك ولا أعدمك الله الرأي السديد الذي جعلك بهذا المقام.
دفع معاوية خطاب ابن الزبير إلى ابنه يزيد وقال له: يا بني إذا ابتليت بمثل هذا البلاء فداوه بهذا الدواء فمن عفا ساد ومن حلم عظم.

حين تقرأ مواقف كهذه تشعر بأن الرجل الحليم شخص رائع يستحق المحبة والاحترام، شخص يملك سيطرة كبيرة على أعصابه بحيث يستحيل إغضابه أو استفزازه أو منح الخصم فرصة التشفي به.. ولأن الحلم ليس بالضرورة طبع نولد به، أنصحك بتعلمه والتعود عليه والبدء بتطبيقه في حياتك، ليس أدل على هذا من قول المصطفى صلى الله عليه وسلم: (إنما العلم بالتعلم وإنما الحلم بالتحلم) فلا تعامل الناس من اليوم كما يعاملونك، بل كما هي أخلاقك التي تربيت عليها ويفترض برجل حليم فعلها..

من كتاب:

نظرية الفستق، لفهد عامر الأحمدي
منتدى سلطان العلماء

شاركنا بتعليق






لا يوجد تعليقات بعد