غاية الزواج وأهدافه في الإسلام وعلم النفس


أهمية الزواج
الزواج الشرعي هو وسيلة الإنسان البالغ العاقل لبناء الأسرة التي يقضي فيها حياته ويعمل من أجلها ويجد فيها من يرعاه، ويعطي الزواج لحياة الإنسان معنى نفسياً، ولسعيه في الحياة قيمة، ولوجوده مكانة اجتماعية يُحْرَم منها غير المتزوجين.
ويتفق الإسلام وعلم النفس حول أهمية الزواج وفي الترغيب فيه، والتخويف من العزوف عنه مع القدرة عليه، فبه تصلح النفوس وتقوى المجتمعات، وتعمر الدنيا وتستمر الحياة، وبدونه تضعف النفوس وتفسد المجتمعات وتتوقف الحياة، ومن هنا وصف الله عقد الزواج بالميثاق الغليظ فقال سبحانه: (وأخذن منكم ميثاقاً غليظاً) النساء 21.
وقد حث الرسول صلى الله عليه وسلم على الزواج، وأشار إلى أهميته في تنمية الصحة النفسية واعتبره الركيزة الثانية أو الثالثة – بعد الإيمان وسلامة الأبدان – لحفظ الصحة النفسية وتنميتها، فقال عليه الصلاة والسلام: “أربع من أعطيهن فقد أعطي خير الدنيا والآخرة: قلباً شاكراً ولساناً ذاكراً، وبدناً على البلاء صابراً، وزوجة لا تبغيه حوباً في نفسها وماله” رواه الطبراني.
وقد تبين من خلال دراسات عديدة أن المتزوجين أفضل من غير المتزوجين في الصحة النفسية والجسمية، وفي دراسة وايزwises وجد أن غير المتزوجين يشعرون بالوحدة والاكتئاب والقلق أكثر من المتزوجين.

غاية الزواج في الإسلام
• تحقيق التكامل الإنساني بين الرجل والمرأة في استمرار خلافة بني آدم للأرض.
• إيجاد أجيال تحقق رسالة الوجود في عبادة الله وتعمير الأرض، وهذه الغاية تجعل الزواج وسيلة لا غاية وتربطه بعقيدة المجتمع وتجعله نظاماً دينياً وليس مسألةً شخصيةً محكومةً بهوى الأفراد ولا قضية مدنية محكومة بقوانين اجتماعية وضعية، فجميع الديانات السماوية متفقة على هذه الغاية للزواج، وجاء الإسلام ليؤكدها ويحدد أهدفها الدنيوية والدينية في إشباع حاجات الإنسان وتنمية صحته النفسية والجسمية، وحمايته من الانحراف وحفظ الأخلاق وتعمير الأرض.

تختلف نظرة علماء الشريعة في الزواج عن نظرة علماء النفس وعلم الاجتماع العائلي في البلاد العربية، فالكثير منهم لا يعطون هذه الغاية ما تستحقه من اهتمام فهم يبرزون أهداف الزواج الفردية والاجتماعية ويهملون أهدافه الدينية ولا يرجع إهمالهم إلى رقة دين هؤلاء العلماء فالكثير منهم مسلمون ولكنهم مازالوا متأثرين بمبدأ الفصل بين الدين والعلم.
ونحن لا نتفق معهد في الفصل بين أمور الزواج الدينية وأموره العلمية الدنيوية في مجتمعاتنا الإسلامية لثلاثة أسباب:
• لأن الإسلام لا يفصل بين العلم والدين، فمفهوم العبادة فيه يجعل العلم من الدين.
• الزواج في مجتمعاتنا من الأمور الدينية وأهدافه الدينية لا تقل أهمية عن أهدافه الفردية والاجتماعية في تنمية الصحة النفسية.
• غاية الزواج الدينية تعطيه قوة خفية تسمو بأهدافه الفردية والاجتماعية وبالعلاقات الزوجية وبناء وتماسك الأسرة أما غيابها يجعل الزواج بدون معنى وأهدافه مؤقتة وعلاقته هشة ويشجع على الطلاق.

أهداف الزواج
تنقسم أهداف الزواج في الإسلام إلى نوعين:
• أهداف عالمية إنسانية يشترك فيها المسلمين وغير المسلمين.
• أهداف خاصة بالمسلمين تضبط الأهداف الدنيوية وتسمو بها، إذ بدون هذه الضوابط قد تنحط الأهداف الإنسانية وتصبح أهدافاً ماديةً حيوانيةً.

أ- الأهداف العالمية للزواج:
تنقسم هذه الأهداف الزواج إلى أهداف فردية تشبع حاجات الرجل والمرأة وأهداف اجتماعية تشبع حاجات المجتمع، وتتلخص في الآتي:

1. الإمتاع الجنسي بالإشباع العفيف للحاجة إلى الجنس عند الرجل والمرأة، قال تعالى: (نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) البقرة 223.
والزواج الشرعي هو الطريق الوحيد لإشباع هذه الحاجة والحصول على متعها الحسية والنفسية، وللزوجين الاستمتاع ببعضهما، قال تعالى: (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلَّا عَلَىٰ أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ فَمَنِ ابْتَغَىٰ وَرَاءَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْعَادُونَ) المؤمنون 5 – 7.
والاشباع الجنسي بالزواج فيه سعادة للزوجين أما الإشباع من خارج الزواج ففيه الشقاء والأمراض.
2. الإمتاع النفسي: بإشباع الحاجات النفسية والجسمية من أهمها حاجة الأمومة والأبوة بالإنجاب الشرعي وتربية الأطفال، حيث تشير دراسات إلى أن رغبة الزوجين في الإنجاب رغبة طبيعية وتدل على نضوج الزوجين أما الزوجان اللذان لا يرغبان بالإنجاب مع القدرة عليه، فهما زوجان منحرفان في الصحة النفسية، وأشارت الدراسات إلى خلل ما في شخصية كل منهما، فالمرأة الرافضة للإنجاب نشأت في أسرة انعدم فيها العطف والحنان، وربيت على الاستقلالية والأنانية، والرجل الرافض للإنجاب، رجل أناني غير ناضج، ضعيف الإيمان، وليست عنده القدرة على العطاء وتحمل المسؤولية.
3. الشعور بالأمن والطمأنينة: لأن العلاقة الزوجية تقوم على الحب والمودة والتعاون فهو اكتمال للنضوج واكتمال الدين والخلق وتستقر النفس، فيجدان الحماية والستر، قال تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) الروم 21.
4. إعطاء الحياة معاني جديدة ترفع من قيمتها عند الرجل والمرأة تدفع للاجتهاد بالعمل تزيد من الطموح في الكسب والتفوق فيصبح نجاح كل منهما مكمل لنجاح الآخر.
5. إنشاء الأسرة ويقضي فيها الزوجين معظم حياتهما يمارسون نشاطهما ويشبعان حاجتهما وهي اللبنة الأساسية في المجتمع التي بصلاحها يصلح وبفسادها يفسد، وصلاح الأسرة مرهون بالسعادة الزوجية.
6. استمرار النسل وتربية الأجيال القادرة على حمل رسالة الحياة وبناء المجتمع وتعمير الأرض، ويتفق علماء النفس على أن صلاح الأجيال لا يكون إلا بصلاح الأسر التي تنشأ عن الزواج الشرعي.
7. حفظ الأخلاق وحماية المجتمع من الفساد، وتحصين الشباب ضد الانحراف فالزواج إحصان عن الفاحشة وحفظ للأنساب قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم؛ فإنه له وِجَاءٌ”.
كما يتفق كثير من علماء النفس وعلم الاجتماع العائلي في مجتمعات كثيرة على هذا الهدف ويربطون الزواج الشرعي بالأخلاق وحفظ القيم والفضيلة والوقاية من الأمراض والانحراف.

ب- الهدف الديني للزواج:
اعتبر الإسلام الزواج هدفاً رئيسياً وربطه بالثواب من الله في الدنيا والآخرة وحث المسلمين عليه من أجل صحتهم النفسية والجسمية وسلامة مجتمعاتهم، فالزواج الشرعي من الأعمال التعبدية التي يثاب عليها الرجل والمرأة فيه يكتمل دينهما، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا تزوج العبد فقد استكمل نصف دينه, فليتق الله في النصف الباقي) رواه البيهقي.
وتقَدم عبادة الله في الزواج على الحج والصدقة على المسكين، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “دينارٌ أنفَقتَه في سبيل الله، ودينار أنفَقتَه في رقَبة، ودينار تَصدَّقتَ به على مسكين، ودينارٌ أنفَقتَه على أهلِك، أعظَمُها أجرًا الذي أنفَقتَه على أهلِك” رواه مسلم.
كما وعد الله الرجل والمرأة باستمرار الثواب حتى بعد الممات إن أنجبا ولداً صالحاً يدعو لهما، قال عليه الصلاة والسلام: “إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له” رواه مسلم.
ووجود الهدف الديني للزواج بهذا الوضوح في الإسلام، يميز الأسرة المسلمة والمجتمع المسلم عن غيرهما خاصة تلك التي جعلت الزواج مسألة فردية أو اجتماعية لا دخل للدين فيها.

فريق مودة ورحمة
تلخيص ليندا نحاس
من كتاب العلاقة الزوجية والصحة النفسية في الإسلام وعلم النفس

شاركنا بتعليق






لا يوجد تعليقات بعد