اتخذ شيخاً


الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن وآله، ثم أمّا بعد

يكاد لا ينقضي عجبي من المسلم الذي تنزل به نازلة يحتاج فيها إلى حكم الله ورسوله، فيهرع إلى وسائل التواصل على الانترنت، ويكتب منشوراً يُنزل فيه سؤاله على قرائه ومتابعيه، وكل منهم يرى نفسه للفتوى أهلاً، وكل يجيب بما يريد، دون أن يكون أهلاً للفتوى والإجابة، فهل لهذا الدرجة ديننا رخيص علينا؟! تؤخذ أحكامه مما رد به عليه عوام الناس، وقد يكون جاهلاً لأبسط الأمور الشرعية، وهذا هو الأكثر.

زمننا زمن يعج بالفتن والشبهات والشهوات، زمن تكلم فيه من لا يفهم، زمن كل رجاله أهل فتوى، زمن اتخذ فيه الناس رؤوساً جهالاً يفتونهم فضلّوا وأضلوا، حريّ بمن كان في هذا الزمن أن يتخذ شيخاً يثق في دينه وتقواه وعلمه، يستفتيه عند كل نازلة.

والأمة الإسلامية أمّة ولاّدة لا تخلو من أهل علم ثقات، ننزل بهم النوازل والحوادث الشرعية، وشريعة الله الخالدة صالحة إلى قيام الساعة.

والشيخ هو: أحد الألقاب في اللغة العربية ويستخدم عادة للإشارة إلى عالم الدين المسلم، وجمعها أَشياخ وشِيخانٌ وهو العالم. [من موقع ويكبيديا الموسوعة الحرة، شيخ]

وقد جاء في فضلهم عن الرسول الله صلى الله عليه وسلم قال ” وَإِنَّ ‌فَضْلَ ‌الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ عَلَى سَائِرِ الْكَوَاكِبِ، وَإِنَّ الْعُلَمَاءَ هُمْ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ، إِنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا وَإِنَّمَا وَرَّثُوا الْعِلْمَ، فَمَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ”[مسند ابن أبي شيبة 1/55].

فالعلماء أمناء الله على خلقه وشرفهم عظيم، وهم أطباء قلوبنا وعقولنا، وقد أرشد النبي صلى الله عليه وسلم للسؤال حين قال إنما شفاء العي السؤال.
فعندما تشتبه المسائل، ولا تكون الأحكام واضحة، فلا بد من الرجوع إلى أهل العلم، حيث محبتهم دين وإيمان، وبكلامهم وتفسيرهم للنصوص نعبد الله، وبفتاواهم نعرف الحلال من الحرام.

يقول حجة الإسلام الإمام الغزالي في هذا المعنى:

“يحتاج المريد إلى شيخ وأستاذ يقتدي به لا محالة ليهديه إلى سواء السبيل، فإن سبيل الدين غامض، وسبل الشيطان كثيرة ظاهرة فمن لم يكن له شيخ يهديه، قاده الشيطان إلى طرقه لا محالة. فمن سلك سبل البوادي المهلكة بغير خفير فقد خاطر بنفسه وأهلكها، ويكون المستقل بنفسه كالشجرةِ التي تنبت بنفسها فإنها تجف على القرب، وإن بقيت مدة وأورقت لم تثمر، فمعتَصَمُ المريد شيخُهُ، فليتمسك به”[الإحياء 3/65].

‌المريد ‌هو الذي لا يريد لنفسه إلّا ما أراد الله له [المقفى الكبير لتقي الدين المقريزي 1/383].

وقد مر معي قول ـ قد يكون ظاهره أنه يذم من يسأل الشيخ ويستفتيه ـ لشيخ الإسلام ابن تيمية جاء فيه: “وكلّ من اتخذ شيخًا أو عالمًا متبوعًا في كلّ ما يقوله ويفعله، يوالي على موافقته ويعادي على مخالفته غير رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو مبتدع ضالّ خارج عن الكتاب والسنة، سواء كان من أهل العلم والدين كالمشايخ والعلماء، وكان من أهل الحرب والديوان؛ كالملوك والوزراء”[ جامع المسائل، 7/ 466].
فالمفهوم من كلامه هو متابعته في كل ما يقول ويفعل ولم يخصه بعلماء الدين فحسب، وهذا لا يكون إلا لرسول الله صلى الله عليه وسلم المعصوم، أما يتعلق بالحوادث الشرعية والنوازل التي يطلب فيها حكم الله فالعامة لا بد لها من تقليد علمائها عند النازلة تنزل بها؛ لأنها لا تتبين موقع الحجة ولا تصل؛ لعدم الفهم إلى علم ذلك؛ لأن العلم درجات لا سبيل منها إلى أعلاها إلا بنيل أسفلها، وهذا هو الحائل بين العامة وبين طلب الحجة، والله أعلم، ولم تختلف العلماء أن العامة عليها تقليد علمائها وأنهم المرادون بقول الله عز وجل: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (43)} سورة النحل

فدخل في هذا من لا يعلم الكتاب والسنة، ليلزمه سؤال من يعلم عما لا يعلم ليعلمه، فيعلم كما دخل فيه من نزلت به نازلة، فلم يعلم الحكم فيها

وأجمعوا على أن الأعمى لا بد له من تقليد غيره ممن يثق بتميزه إذا أشكلت عليه، فكذلك من لا علم له بأمور الدين لا بد له من تقليد عالمه، وكذلك لم يختلف العلماء أن العامة لا يجوز لها الفتيا، وذلك والله أعلم لجهلها بالمعاني التي منها يجوز التحليل والتحريم والقول في العلم” [جامع بيان العلم وفضله، لابن عبد البر، 2/988 بتصرف، والمنهاج في شعب الإيمان الحسين بن الحسن بن محمد بن حليم البخاري الجرجاني، أبو عبد الله الحَلِيمي 2/191]

” لو منعنا التقليد في هذه المسائل التي هي من فروع الدين لاحتاج كل أحد أن يتعلم ذلك، وفي إيجاب ذلك قطع عن المعايش، ‌وهلاك ‌الحرث والماشية، فوجب أن يسقط”[ الفقيه والمتفقه للخطيب البغدادي].

وليس مطلوباً من العامي أن يتعلم الأصول وطرق الاجتهاد والمقاييس حتى يفتي لنفسه، لأن ذلك لا يتسع له العمر، وقد يكون ما حدث له لا يحتمل التأخير كذلك، كامرأة شكت في دم الدورة هل هو حيض أو لا، فلا يسعها إلا سؤال أهل العلم والفتوى [الفصول في الأصول، أحمد بن علي أبو بكر الرازي الجصاص الحنفي، 4/281].

والمقلّدُ أو العامة: الذي لا قدرةَ له على فهم الأدلّة والموازنة بينها ففرضُه سؤالُ مَن يثقُ في علمه ودينه من العلماء.
والعوام مأمورين باتباع العلماء لقوله تعالى: {‌فَاسْأَلُوا ‌أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [النحل43]. أصبح المعتد بقولهم العلماء المجتهدين.

فحتى تكون في سلامة لأمر دينك اتبع شيخاً عالماً ثقة في دينه وعلمه وتقواه في كل نازلة شرعية تنزل بك، ولتخبره بكل ملابساتها لتكون الفتوى أقرب للصواب، فالحكم عن الشيء فرع عن تصوره، ولا تتبع الرخص فتسأل من عرف منه التساهل، أو تسأل كثير من العلماء لتحصل على الرخصة التي تريد.
والحمد لله رب العالمين

بقلم: رزان بيانوني

 

شاركنا بتعليق






لا يوجد تعليقات بعد