مشاركة المرأة في العمل العام


“إنّ أمّتي لا تجتمع على ضلالة” هكذا أعلنها المعصوم صلوات ربي وسلامه عليه، والأمّة كما هو معلوم مجموع الذكور والإناث، وأي منهما يقصر في مشاركته سيؤثر على الأمّة.

ولقد تحدّث الهدي القرآني عن دائرتين من دوائر المشاركة بين الذّكور والإناث:

الأولى، هي دائرة الأسرة: الّتي هي الّلبنة الأولى في بناء الأمّة ، وكيف أنّ الزّوجة هي السّكن والسّكينة للزّوج، كما تحدّث القرآن الكريم عن التّماثل بين الزّوج والزّوجة، فقال تعالى: [وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ].هذا النّص المعبر عن روح التّحرير الإسلاميّ للمرأة، وفيه المساواة بين الرّجل والمرأة الّذّي سوّى الله تعالى بينهم عندما خلقهم جميعًا من نفس واحدة وساوى بينهم جميعًا في حمل هذه الأمانة، كما ساوى بينهم في الكرامة عندما كرّم بني آدم، مع الحفاظ على فطرة التّمايز بين الأنوثة والذّكورة لتتم نعمة السّعادة الإنسانيّة بشوق كلّ طرف إلى الطّرف الآخر المتميّز عنه. ولو كان نداء مماثلا لما كان الآخر “آخر” ولما كان مرغوبًا تهفو إليه القلوب، فهي مماثلة الشّقين المتكاملين، لا النّدين المتطابقين.
وإذا كان القرآن الكريم قد حدَّد أنَّ لنوع الرّجال على النّساء درجة فهي المسؤوليّة الأكبر والتّكليف الأزيد للرّجل بحكم التّأهيل الفطري في ميادين بعينها.

أمّا الدائرة الثانيّة فهي دائرة الأمّة الإسلامية: لقد فتح الإسلام أبواب المشاركة والحرية أمام المرأة وضبط هذه الحريّة بضوابط الفطرة ـ لا تخرج عن فطرتها وإنّما تسير على مقتضاهاـ وقيم الإسلام…ودخلت المرأة المسلمة من أبواب الحرية والتّحرير، فأحيت ملكاتها وطاقاتها، التي كانت قد ذُيلت في ظلّ الجاهلية الوثنيّة ومن ثمّ رأيناها تشارك الرّجال في مختلف ميادين العمل.
فها هوالإسلام في ـ طور رسالته الخاتمة والخالدة ـ يبدأ بخديجة بنت خويلد رضي الله عنها. وظلت حياة السّيدة خديجة رضي الله عنها سلسلة من المشاركات الخاصة والعامة في الدّعوة الإسلاميّة إلى أن جاءها اليقين .

أمّا في منزلة الشّهادة والشهداء فقد كانت المرأة سمية بنت خياط “أم عمار بن ياسر”طليعة الشّهادة والشهداء.
وفي ميدان السياسة: شاركت أم عمارة وأم منيع في بيعة العقبة، الّتي هي عقد تأسيس هذه الدّولة.
وحضرت المرأة المسلمة الاجتماعات العامة، فقد ذكرت أم سلمة كما جاء في صحيح مسلم: كان يومًا والجارية تمشطني، فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول على المنبر: “أيها النّاس”. فقلت للجارية: استأخري عني. فقالت:إنّما دعا الرّجال ولم يدع النّساء. فقلت: إنّي من النّاس. فهي عضو فاعل ومتفاعل في الجماعة تسرع إلى المشاركة في اجتماعاتها حتى لتؤجل زينتها حتى لا تفوتها تلبية النّداء.

وفي مجال الترفيه الحلال: شاهدت المرأة المباريات والألعاب الفنيّة وإنشاد الأهازيج…وأين؟ في مسجد النبوة.كما ورد في صحيح البخاري.
وإذا كان المسلمون يسعى بذمتهم أدناهم، فإنّ ذلك ليس وقفًا على الرّجال فهذه أم هانئ بنت أبي طالب تجير رجلا، وتتصدى لأخيها علي بن أبي طالب، عندما طارده، وتذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيحترم إجازتها ويمضي عهدها وذمتها.

وبمشاركة المرأة في دائرة الأمّة الإسلاميّة تتكون الصورة الأكبر للأسرة المسلمة الّتي عبر عنها الحديث النّبوي الشّريف، الذي رواه البخاري”مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ، وَتَرَاحُمِهِمْ، كَمَثَلِ الْجَسَدِ الْوَاحِدِ، إِذَا اشْتَكَى عُضْوٌ مِنْهُ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْأَعْضَاءِ بِالْحُمَّى، وَالسَّهَرِ”.
ففي هذه الصورة تتفاوت المكونات ـ الأعضاء والطاقات والملكات ـ في الحجم والكفاءة والاحتياجات…لكنّها تتشارك وتتساند جميعًا في النهوض بجميع التكاليف في جميع الميادين.
وأخيرا الأنثى ركن وشريك أساسي في إعداد الأسرة المسلمة والأمة الإسلامية وأي أمّة تشوِّه أو تقزِّم أو تحقِّر من دور الأنثى ستفقد كرامتها ولن تقوم لها قائمة.

تلخيص: ابتسام محمد علي
فريق مودة ورحمة
من كتاب: التحرير الإسلامي للمرأة، د. محمد عمارة

شاركنا بتعليق






  • هذه جميل