تطبيقات قاعدة سد الذرائع في ميدان مشاركة المرأة في العمل العام


المقصود بالذريعة:
الذريعة في اللغة، هي الوسيلة التي يتوصل بها الى الشيء.
وسد الذرائع عند علماء الأصول: هو منع ما يتوصل به إلى الشيء الممنوع المشتمل على مفسدة أو مضرة.
فتكون وسيلة المحرم محرمة ووسيلة الواجب واجبة، ففي قوله تعالى: (وَلَا تَسُبُّواْ ٱلَّذِينَ يَدۡعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ فَيَسُبُّواْ ٱللَّهَ عَدۡوَۢا بِغَيۡرِ عِلۡم كَذَٰلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمۡ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّهِم مَّرۡجِعُهُمۡ فَيُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ) الأنعام (108)، نهى المؤمنين عن سب آلهة المشركين حتى لا يتخذ المشركون هذا الأمر سببا لسب الإله الحق .
وبالتالي الذريعة عبارة عن أمر غير ممنوع لنفسه يخاف من ارتكابه الوقوع في ممنوع، وقاعدة سد الذرائع تقوم على المقاصد والمصالح، فهي تقوم على أساس أن الشارع ما شرع أحكامه إلا لتحقيق مقاصدها من جلب المصالح ودرء المفاسد، فإذا أصبحت أحكامه تستعمل ذريعة لغير ما شرعت له، ويتوصل بها إلى خلاف مقاصدها الحقيقية، فإن الشرع لا يُقرُّ إفساد أحكامه وتعطيل مقاصده.

الضبط الوسطي لمشاركة المرأة في العمل العام:
لا بد من الاعتصام بمنهاج الوسطية الذي يحقق مقاصد الشريعة في قضية الاشتراك في العمل العام بين النساء الرجال دون إفراط ولا تفريط.
إن تناول الطعام مباح ولا يجوز تحريمه سداً لذريعة ما ينتج عن بعضه، أو عن الإسراف فيه من أمراض، وكذلك المباحات تبقى على أصل الإباحة، ولا تخرج عنه إلا إذا تحققت المفسدة أو كثرت، ومن هنا لا بد من الحذر عند التعامل مع تطبيقات قاعدة سد الذرائع، وذلك بالتدقيق في الموازنة بين المصالح والمفاسد التي هي معيار السياسة الشرعية في التعامل مع المباحات.

ففي منع المشاركة في العمل العام للمرأة لا بد من تحقق أمور وهي:
1- أن يكون إفضاء الوسيلة المباحة إلى المفسدة غالباً لا نادراً، أو أن يكون كثيراً لا نادراً.
2- أن تكون مفسدتها أرجح من مصلحتها، وليس مجرد مفسدة مرجوحة.
3- إذا توفر الشرطان السابقان، فالمنع لا يكون على سبيل التحريم القطعي، بل هو دائر بين الكراهة والتحريم بحسب درجة المفسدة.
4- إذا كانت الوسيلة تفضي إلى مفسدة لكن مصلحتها أرجح، فالشريعة تبيحها، بل قد تستحبها وتوجبها بحسب درجة المصلحة.
لذا ينبغي الحذر من التوسع في تطبيقات قاعدة سد الذرائع في علاقة النساء بالرجال، والمشاركة في العمل العام.

لقد شاءت حكمة الله من أجل مواصلة عمارة الأرض من قبل الإنسان أنه كلما تقدم العلم وتم اكتشاف المجهولات وزادت مساحة المعلومات لدى الإنسان، زادت مساحة المجهول أمامه، وذلك حتى يظل جدول أعمال البحوث والاكتشافات قائما بعمله، وتبقى مساحة الأمل مفتوحة أمامه..
ومحاولة أسلمة المجتمع المسلم ستفتح أمام الأنسان مزيداً من الآفاق، والمزيد من الاجتهاد والاستباق على طريق الخيرات، وهذه هي وظيفة المثال الإسلامي، والوعي بها يجعلنا نضبط تطبيقات قاعدة سد الذرائع بالموازنة بين المصالح والمفاسد، وليس فقط بمعيار المصالح الخالصة والخير الذي لا شر فيه، ولعل في تطبيقات مجتمع النبوة للمثال الإسلامي ما يعين على الاطمئنان لهذه الحقيقة التي تغيب عن البعض منا لفرط تعلقهم بتطبيق كامل المثال.

فعندما أخذ بعض المنافقين في التحرش ببعض النساء أثناء خروجهن ليلاً لقاء حوائجهن لم يمنع رسول الله خروج النساء من بيوتهن، وإنما نزل القرآن داعياً النساء إلى الحشمة الإسلامية التي تميز الحرة والتزامها السلوك الإسلامي، فنزل قوله تعالى: (يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ قُل لِّأَزۡوَٰجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَآءِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ يُدۡنِينَ عَلَيۡهِنَّ مِن جَلَٰبِيبِهِنَّۚ ذَٰلِكَ أَدۡنَىٰٓ أَن يُعۡرَفۡنَ فَلَا يُؤۡذَيۡنَۗ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُورا رَّحِيما) الأحزاب (59).
وعندما سمع عمر بن الخطاب وهو يعُسُّ ليلاً، امرأة احد جنود الجيش تعبر عن أشواقها لزوجها ورغبتها في إشباع غريزتها، لم يعنفها ويفرض القيود على المتعة الحلال، ولا منع الأزواج من السفر، وإنما نظم العلاقات واستشار أهل الخبرة، وذهب لابنته حفصة يسألها عن حاجة المرأة لزوحها، فوقت عمر بن الخطاب للجنود ستة أشهر مدة الخروج للغزو شهراً للسفر وأربعة أشهر في الميدان وشهراً للعودة.

هكذا تعامل مجتمع النبوة الراشد مع الشوائب والأخطاء والخطايا، بالموازنة بين المصالح والمفاسد، ترشيداً للواقع كي يقترب من المثال وليس بتحريم المباح سداً للذرائع على أمل التحقيق الكامل لكامل المثال.
ذلكم النموذج الإسلامي لتحرير المرأة وأهليتها ومشاركتها الرجل في العمل العام، مع بقاءها أنثى تتكامل مع الرجل وتتساوى به مساواة الشقين المتكاملين الذين تتحقق بهما السعادة للنوع الإنساني على النحو الذي أراده الله تعالى، وطبقه الرسول محمد عليه الصلاة والسلام.

إعداد: أ. أحمد الصالح الحجي

مستفاداً من كتاب: التحرير الإسلامي للمرأة، د. محمد عمارة. (بتصرف وإضافات يسيرة)

شاركنا بتعليق






  • القاعدة تطبق على المرأة التي تعي و تدرك ضوابط خروجها من المنزل و اختلاطها بالرجال.

  • السؤال كيف نطبق ماقاله عمر رضي الله عنه في زماننا ونطبق ما أمر به الرسول صلى الله عليه وسلم على ومانهانا عنه في زماننا هذا الذي نعيشه والذي ملئ بالفتن والفتاوي المضللة جدا للكثير من الامور ..جزاكم الله خيرا..

  • السيدة بدور: ينبغي العودة والسؤال لأهل الاختصاص والراسخين في العلم، وعدم الالتفات للفتاوى الجاهزة في غوغل، فكل إنسان لديه سؤال ظروفه والحيثيات المحيطة به تختلف عن الآخرين غالباً، واتباع الفتاوى الجاهزة واسقاطها على نماذج لا تنطبق عليها يوقعنا في مطبات كثيرة ومشكلات لا تنتهي..