من آداب الإسلام في الكلام والمناقشة


هناك آداب يجب على الشخص مراعاتها أثناء الكلام مع الغير ومناقشته له، وهذه الآداب بجملتها دعا إليها الاسلام أو أشار إليها، أو هي مما تقتضيها قواعده وأصوله، وهي بعد ذلك من معاني الأخلاق الإسلامية ولوازمها.

وليعلم المسلم أنه مؤاخذ بما يقول ومحاسب عليه ،ورُب كلمة يقولها لا يلقي لها بالاً تهوي به في النار، وفي الحديث الشريف: (…. وهل يكب الناس في النار على وجوههم الا حصائد ألسنتهم)?

فمن هذه الآداب:

?- عدم اكثار الكلام في المجالس. وليكن شعار المسلم أن يسمع أكثر مما يتكلم، لأن كثرة الكلام بغير ذكر الله يقسي القلب. جاء في الحديث الشريف عن النبي صلى الله عليه وسلم (لا تكثروا الكلام بغير ذكر الله تعالى فإن كثرة الكلام بغير ذكر الله تعالى قسوة القلب، وإن أبعد الناس من الله تعالى القلب القاسي).

? – المسلم يسمع كثيراً من الأخبار والأقوال، فلا ينبغي له أن يحدث الناس بكل ما سمع، فإن ذلك قد يجره إلى الكذب جاء في الحديث الشريف: (كفى بالمرء كذباً أن يحدث بكل ما سمع) وتأويل ذلك أنه يسمع الصدق والكذب فإن حدث بكل ما سمع فقد كذب لإخباره بما لم يكن. هكذا فسر العلماء هذا الحديث الشريف.

3 – أن يبتعد المسلم عن غيبة الآخرين، والغيبة كما جاءت في حديث رسول الله صلي الله عليه وسلم: (ذكرك أخاك بما يكره) حتى وإن كان ما تقوله موجوداً فيه، أما إذا لم يكن ما تقوله عنه موجوداً فيه فهذا هو البهتان، كما جاء في الحديث. وإذا كانت الغيبة منهياً عنها فسماعها كذلك، فينبغي للمسلم أن يسعى لتحويل حديث المغتابين إلى حديثٍ غيره هو أسلم لدينهم وأنفع للسامعين.

4- لا يجوز الفحش في الكلام لا على وجه الجد ولا على وجه الهزل فإن الله تعالى يبغض الفاحش البذيء، كما جاء في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم. ومن البذاءة: الطعن واللعن والسباب، وكل أولئك مكروه في ميزان الاسلام، جاء في الحديث الشريف: (ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش ولا البذيء). وفي حديث آخر: (سباب المسلم فسق وقتاله كفر)، والمنع من السباب يشمل الأموات كما يشمل الأحياء، جاء في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تسبوا الأموات فإنهم قد أفضوا إلى ما قدموا).

5- الابتعاد عن المراء والجدال الذي يُراد به الغلبة والاستعلاء على الآخرين، ولهذا كان تركه مطلوباً في الإسلام ومثاباً عليه. قال صلى الله عليه وسلم: (أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقاً).

6 – يجب أن يكون النقاش بقصد كشف الحق وإظهار الصواب، ولا يهم بعد ذلك إن ظهر الحق وانكشف الصواب من قبلك أو من قبل الاخرين، فإذا فات هذا القصد في المناقشة كانت من الهوى وعبث الشيطان ومن الخير قطعها حالاً.

7- ليكن كلام المسلم واضحاً بسيطاً خالياً من التكلف والتطاول على الناس بكلامه، خالياً من التفاصح والتعظم بالكلام واظهار الفضل على الاخرين، والتكبر عليهم، جاء في الحديث الشريف عن النبي صلى الله عليه وسلم: (وإن أبغضكم إلي وأبعدكم مني يوم القيامة الثرثارون والمتشدقون والمتفيهقون).

8? أن يكون كلامه هادئاً بيِّناً مسموعاً للحاضرين، ومفهوماً عندهم، فقد كان من شمائل النبي صلى الله عليه وسلم أنه إذا تكلم بكلمة أعادها ثلاثاً حتى تُفهم عنه، وكان فصلاً يفهمه كل من يسمعه. وهذا يقتضي أن يبتعد المتحدث عن الكلمات الغريبة غير المألوفة لدى السامعين ولا حاجة لها، وقد يفعل هذا رغبة منه في إظهار فضله أو إعلام الآخرين بقدرته على الكلام وبلاغته، وليس هذا بالمقصد السليم في موازين الإسلام.

9- أن يتثبّت المسلم في كل ما يقول. فلا يلقي القول جزافاً قال تعالى: [وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ] {الإسراء:36}.

10- اذا كان مع اثنين فلا يختص بأحدهما فيناجيه ويكلمه سراً بحيث لا يسمعه الثالث، أو يكلمه بلغة لا يفهمها الآخر، لأن ذلك يوحش قلبه، قال صلى الله عليه وسلم: (إذا كانوا ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون الثالث).

11 – أن يترك الحديث عن آلامه ومشاكله وأحزانه، فإن ذلك لا ينفعه، وهو من قبيل الشكوى إلى الناس، وهو خلاف الأدب القرآني، قال تعالى حكاية عن نبيه يعقوب عليه السلام [إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللهِ] {يوسف:86}. وأيضا فإن للناس همومهم ومشاكلهم فلا يرغبون في سماع هموم الآخرين.

12 – ليكن حديثك وجدالك بأسلوب هيِّن ليِّن خالٍ من الإيذاء والتحقير والاستهزاء بالآخرين. فقد أمر الله تعالى نبيه موسى وأخاه هارون عليهما السلام، وقد أرسلهما إلى فرعون [فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى] {طه:44}.

13- لا تقاطع غيرك إذا تكلم، وأصغ إلى كلامه حتى يفرغ منه، ثم عقِّب عليه بما ينفع ويفيد. إن كان في التعقيب حاجة أو فائدة.

14- لا ترد على الآخرين كلامهم كله إذا رأيت فيه خطأ أو باطلاً فإن الصواب لا يُرد إذا اقترن به خطأ، والحق لا يُرد إذا اقترن به باطل، وانما يجب قبول الصواب والحق ورد الخطأ والباطل. ولهذا ذمَّ الله تعالى اليهود والنصارى لرد كل طائفة ما عند الأخرى من حق وباطل. قال تعالى:[وَقَالَتِ اليَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ اليَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الكِتَابَ] {البقرة:113}.

15 – ليكن حديثك ذا مغزى ومعنى وهدف نبيل تقصده لا أن يكون لمجرد الكلام وإضاعة الوقت.

16- تجنب الأيْمان والقسم بالله تعالى في حديثك، واجعل السامع يصدقك بلا يمين بما تعوده من قول الصدق وذكر الحقائق.

17- لا تغضب، واحمل نفسك على أن تكظم غضبها، ولا تتكلم وأنت غضبان، ولا تجادل الغضبان، فإن الغضب يذهب بالحجة ويفلت اللسان من عقاله فيأتي فيأتي بما يشين.

وبعد فهذه بعض آداب الحديث والمناقشة، يحتاجها المسلم في علاقاته مع الآخرين ومجالسته لهم، وهي سهلة في القول صعبة في التطبيق، ولكن مع العزم على مراعاتها بعد الاستعانة بالله تصير إن شاء تعالى سهلة في التطبيق كما هي سهلة في القول، والله المستعان، والحمد لله رب العالمين.

وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم

بقلم: عبد الكريم زيدان

المصدر: مجلة التربية الإسلامية العدد الخامس من السنة السادسة عشرة: ذو الحجة 1393هـ كانون الأول

 

شاركنا بتعليق






لا يوجد تعليقات بعد