مفهوم المرجعية الإسلامية


قال تبارك وتعالى (ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاء الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ، إِنَّهُمْ لَن يُغْنُوا عَنكَ مِنَ اللَّهِ شَيئاً) الجاثية، والصلاة والسلام على معلم الناس الخير؛ محمد وآله وصحابته، ومن دعى بدعوته واستن بهديه إلى يوم الدين..

إن الحاجة ماسة اليوم؛ لعدم ترك مفهوم المرجعية عائماً بغير تحديد أو توضيح للمعالم والمعاني وآفاق التطبيقات، كما ينبغي التركيز على جعل إيماننا بمرجعية الشريعة الربانية الخاتمة؛ قاعدةً وغطاءً في ترسيم ملامح المشروع السياسي الحقوقي الكبير، إن الفرصة سانحة اليوم لأن نستلهم قيم السماء، ونسعى بواقعية على الأرض التي روى ثراها نجيع الشهداء وعرق الأبطال وتضحيات الآباء الكبار، كل ذلك على قاعدة ( ربانية القيم وبشرية الممارسة )..

إننا معنيون اليوم أكثر من أي وقت مضى، بالانفتاح على مكونات وأطياف نسيجنا الاجتماعي، والتأثير في مجريات الأمور على أرض الواقع لا في مجردات التفكير والمناظرة؛ وعليه فليس المطلوب منا اليوم التخلي أو التنازل عن بعض مشروعنا الإسلامي، بل المطلوب هو أن ندرك أننا لسنا وحدنا في الساحة، وأن نضع في حسابنا المجاورون والمراقبون والناقدون والمخالفون، وأن نبحث عن تقاطعات الالتقاء ونقدمها على نقاط الاختلاف والمغايرة..

فالمطلوب هو الانتقال من مربع الوعظ والتعليم المجرد؛ إلى ترسيم الرؤية والمشروع السياسي الذي يستهدف حفظ حقوق المستضعفين ورعاية مصالحهم، ويتطلع لاستدعاء القدرة والقادرين إلى ساحات الإعمار والبناء، والتكافل والتراحم وامتلاك زمام المبادرة..

1- المرجعية الإسلامية، تعني السعي لإقامة دولة مدنية تستهدي بقيم السماء، وتلتزم بقطعيات الشريعة، وتسعى في تحقيق المقاصد والمصالح المعتبرة في ديننا؛ بضابط عدم مخالفة المعاقد والمحكمات.

2- المرجعية الإسلامية، تعني أن يكون لنا رؤية واختيارات تستهدف إعادة قراءة النصوص وتمحيص التجارب، بما يتماشى مع فقه المرحلة، وبما يحفظ الأصول والقواعد الكلية التي تؤسس للحياة الكريمة الهانئة، وتضمن سلامة الترجيح والتطبيق، وتؤكد على الصورة السمحاء لرسالة الإسلام.

3- المرجعية الإسلامية، تعني أن نؤمن وننطلق من مبدأ أن السيادة لله المجيد في عليائه، وأن كل سيادة سواه هي دونية نسبية محدودة، وخاضعة مقيدة محكومة.

4- الشريعة ليست محصورة في قانون العقوبات “التشريع الجنائي”؛ بل هي مشروع نهوض وبناء وحقوق وتكريم، للإنسان والشعب والأمة .. للمرأة والرجل على حد سواء؛ بلا تفريق في الحقوق والواجبات، إلا بما خص الله أحدهم بأحكام ومسائل تتناسب وطبيعة التكليف وأغراضه ومقاصده.

5- الشريعة تعطي الشعب الليبي؛ الحق في اختيار الإدارة السياسية التي ستحكمه وترعى مصالحه، وتعطيه الحق في تحديد مدة الحكم، وأن يضع آلية الرقابة والمتابعة، وسبل النصح والإعانة، وطرق العزل وسحب الثقة.

6- الشريعة الإسلامية تعني تفعيل مبدأ الشورى، ووضع آليات وضمانات الترجيح والتنفيذ والإلزام، وإعطاء حقوق تداول المعلومات والشفافية والرقابة بين مؤسسات وإدارات الحكم المنتخبة وجهات ولجان الرقابة والمتابعة والتقييم والتقويم.

7- الشريعة الإسلامية رؤية تستهدي بتجارب البشرية الراشدة في ضبط اختيارات وصلاحيات السلطة السياسية، وإدارة الموارد المالية، وتوظيف الطاقات البشرية في ترسيخ ثقافة وهوية المجتمع وحماية منظومته الأخلاقية.

8- الشريعة الإسلامية لا تمانع في الاعتراف والالتزام بكل المعاهدات والمواثيق الإقليمية والدولية؛ شريطة ألا تعارض سيادة الشعب، أو أن تصادم أصول ديننا وقطعياته.

9- الشريعة الإسلامية منهج كامل للحياة الكريمة، وتطبيق للقيم الربانية في حياة شعبنا، وترقية لخطاب الوعي بفقه العبودية الكاملة لله المجيد، والاقتداء المستبصر بهدي النبوة الكريم.

10- الشريعة الإسلامية ترسم آفاق مشروع النهوض للعدالة الاجتماعية، بمطالب حقوق الإنسان وكرامته، وبأجندة التنمية ومعالجة تراكمات الباطل الذي أذل البشر وأزكم الأنوف، وأنهك القدرات وعطل المصالح وخيب الآمال.

11- الشريعة الإسلامية تعطي الحق في الحياة للبديل الاقتصادي الشرعي الحلال؛ من خلال تصفير الفائدة الربوية، واعتماد التمويل والإقراض الإسلامي المنظم، وإقامة مصارف إسلامية متخصصة.

12- الشريعة الإسلامية ترنو إلى تفعيل ركن زكاة الركاز والمعادن والشركات والأفراد، وتنظيم طرق جمعها وإنفاقها في وجوهها الشرعية من خلال مؤسسات وفروع “بيت الزكاة”.

13- الشريعة الإسلامية تعني الانحياز إلى مبدأ استقلالية القضاء العادل النزيه، والتأسيس لهيبة دولة المؤسسات والحقوق والمواطنة.

14- الشريعة الإسلامية تؤسس لإعلام حر مسؤول، يرعى المبادئ ويحفظ الأصول، وينطلق بالإبداع الإنساني إلى منتهاه.

15- الشريعة الإسلامية تعني ترجمة قيم الحق والعدل والرحمة والإحسان، إلى مفاهيم ومناهج وسلوكيات تربوية، ونظم وتشريعات قانونية، يكون لها ثقل التوجيه والضبط والإعانة على متطلبات السلوك الفردي والاجتماعي.

16- الشريعة الإسلامية تعني توظيف قواعد التشريع التي أحال عليها الشارع الحكيم؛ في ترقية فهم النصوص، وتحقيق المقاصد المعتبرة، وفتح آفاق التدين المستبصر الواعي، والتبشير بهدايات الرسالة الربانية الخاتمة، في بناء الإنسان وعمارة الأرض، وعلى هذا فمصدر التشريع الأصلي يتمثل في الكتاب العزيز وما صح من السنة النبوية الشريفة المطهرة، والمصادر التابعة تتمثل في (الإجماع، القياس، العرف، المصالح المرسلة، الاستحسان، سد الذرائع، قول الصحابي، شرع من قبلنا).

17- الشريعة الإسلامية تعني استفاضة البيان ونشر الوعي بمقتضيات التوحيد الخالص، لتستقر ركائز المنظومة الفكرية على قواعد الاستبصار بالحقوق والواجبات، والترقي في مدارج الاهتداء والرشد والتنور والاستقامة، بما يعزز تماسك النسيج الاجتماعي، ويعمق الانتماء الصادق لديننا ووطننا، ومشروع النهوض والبناء الكبير.

18- المرجعية الإسلامية تعني أننا معنيون اليوم بالدعوة إلى الإسلام لا إلى المسلمين .. فالمسلمون صورة غير دقيقة عن هذا الدين، وفي كثير من الأحوال ثمة تحريفات تمس أصول العقيدة والتشريع، ودخن يغشى الفهم والسلوك والممارسة، وتناقض جلي مع بدهيات الحق المنزل والمقاصد المعتبرة في رسالة السماء.

قال سبحانه وبحمده (قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَاداً لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ ققَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَددَداً، قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلَا يُششْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً) الكهف.

الأستاذ محمد عمر حسين

شاركنا بتعليق






لا يوجد تعليقات بعد