الإعجاب بشيء من شُؤون الظالم نوع من الركون إلى الظالمين


إنّ إعجاب أكثر الناس بشيء من شؤون الظالم يجعلهم يغفلون أو يستهينون بما عليه من ظلم كبير ، وجرائم لا يعدّ ما يعجبون به أمامها شيئاً مذكوراً ، وتراهم من افتتانهم بحاله يتحدّثون عن تلك التوافه ، وينسون الظلم والعدوان ، وأكل أموال النّاس بالباطل ، والجرائم الكبرى ، والمآثم العظمى التي يرتكبها بحقّ النّاس صباح مساء ، وكأنّها توافه المعاصي الخاصّة ، وصغائرها التي يكفرّها الاستغفار وصالح الأعمال ..

وتأمّلوا قول الله تعالى عن المشركين : {أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الحَاجِّ وَعِمَارَةَ المَسْجِدِ الحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللهِ لاَ يَسْتَوُونَ عِندَ اللهِ وَاللهُ لاَ يَهْدِي القَوْمَ الظَّالِمِينَ}[التوبة:19] .

وقوله سبحانه عن المنافقين : {وَالَّذِينَ اتَّخَذُواْ مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ المُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِّمَنْ حَارَبَ اللهَ وَرَسُولَهُ مِن قَبْلُ وَلَيَحْلِفَنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ الحُسْنَى وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ * لاَ تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ وَاللهُ يُحِبُّ المُطَّهِّرِينَ * أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَم مَّنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىَ شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللهُ لاَ يَهْدِي القَوْمَ الظَّالِمِينَ * لاَ يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْاْ رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلاَّ أَن تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}[التوبة:107 ــ110] ، والآيات تحتاج إلى نظر دقيق ، وتدبّر عميق ، أحيل فيه إلى كتب التفسير ..

وأذكر ثلاثة أمثلة واقعيّة من افتتان الناس بأعمال الظالمين ، ونسيانهم لظلمهم وجرائمهم : 

* أعرف بعض الأغنياء الكبار ، يحافظ في ظاهر الأمر على صلاة الجماعة ، وفي الصف الأوّل وراء الإمام ، ويتعامل بالربا ، ويظلم الناس ، ويأكل أموالهم ، ويدفع الأموال الطائلة من الرشوة ، ليأكل أموال الأمّة ، ويعتدي على حقوقها .. وينسى الناس ذلك كلّه ، ويتحدّثون عن صلاته وراء الإمام ، وبنائه للمساجد ..!!؟؟

* وزرت في بعض بلاد المسلمين مسجداً أنفق عليه عشرات الملايين ، وزخارفه ومظهره ومرافقه تبهر الناظرين ، ورأيت في أعين بعض المرافقين الافتتان الشديد بهذا العمل ، وسمعت الإطراء والثناء من بعض الحاضرين ؛ فسألتهم : مِن أموال مَن بُني هذا المسجد .؟ قالوا : من أموال الأمّة .. قلت : فهل يجيز الإسلام أن تنفق هذه الأموال على بناء هذا المسجد ، والأمّة في جهل وجوع ، وعُري ومرض .؟! وهل يحلّ للحاكم في الإسلام أن يعبث بأموال الأمّة كما يشاء .؟!

* وحدّثني بعض الشباب عن زيارتهم لبعض البلاد ، التي تعجّ بالظلم والإفساد في الأرض ، ولكنّهم لم يتحدّثوا إلاّ عن بناء الجسور ، وإصلاحات الطرق ، والتفنّن في إقامة مدن الملاهي والترفيه ..

فقلت لهم : وما خبر أبواب الإفساد المشرعة ، والتي تزداد يوماً بعد يوم .؟! وما أخبار السجون الملأى بالمظلومين ، والذين لا يعرف حالهم ولا مصيرهم .؟! إن لم تنكروا ، وتذكّروا الناس بما يجري من الظلم فلا تكونوا أبواقاً مجّانيّة رخيصة لتلميع الظالمين ، وتسويق أعمالهم .. « فإنّ الله تعالى طيّب لا يقبل إلاّ طيّباً .. » .

بقلم : عبد المجيد البيانوني

شاركنا بتعليق






لا يوجد تعليقات بعد